السبت، 31 أغسطس 2019

مراجعاتٌ في الفكر والسياسة(7)


بسم الله الرحمن الرحيم

مراجعاتٌ في الفكر والسياسة(7)

هل لِنَفَقِنا السياسيّ نهايةٌ؟
عندنا في المغرب، ما تزال عقدةُ العُقد في العمل السياسي، عند المعارِضين الثوريين بالتحديد، هي الموقف من النظام الملكي. أما من جهة النظام المخزني، فإن عقدة العُقد، في تقديري، هي الاستبدادُ والنظرُ إلى كلِّ مكونات الحياة السياسية على أنها توابعُ خادمةٌ وأدواتٌ منفذة، ليس لها من الأمر شيءٌ إلا أن تسمع وتطيع!
سيظل مستقبلُنا السياسيُّ في مهبّ الريح ما دام النظام المخزني، وعمادُه المَلكيةُ الوراثية "التنفيذية"، يرفض ألاَّ يرى فِيمنْ حوله إلا أصداءً لإرادته وتعليماته ورغباته، وما دام معارضوه-وأخصّ هنا المعارِضين الثوريِّين-لا يرون لمغربنا السياسي مستقبلا مع بقاء النظام الملكي.
هل من وصفة "سحرية" تضيّقُ الشُّقة بين الطرفين؟
هل عند الناس، في كلا الجانبين، إرادةٌ للبحث عن أرضية للتواصل والتفاهم والتقارب والإصلاح؟
أليس الأمر، أولا وآخرا، سياسةً؟ فإلى متى العَداءُ والتصادمُ والتنافر والتدابر؟
أليس في الناس، أكانوا ملكيِّين مخزنيِّين أو معارِضين ثوريِّين، مَنْ يقدر أن يبدع شيئا-كيفما كان هذا الشيء-يفتح لنا طريقا نحو الخلاص من هذا الداء العضال الذي لا يني يهدد حياتنا السياسية بكل الآفات والمصائب والفتن، داءِ الكراهية والعداوة والتنابذ والتزايُل؟
أنا أعرف أن الطريق إلى التصالح والتفاهم بين المخزن ومعارضيه ليس مُعبّدا ولا سهلا، بل إن الأمر، عندي، ما يزال من الأماني البعيدة، وسيظل كذلك ما دامت إرادةُ التقريب والإصلاح غائبةً لدى الطرف القوي المهيمن، الذي هو النظام المخزني، وروحُه الملكية الوراثية التي تسود وتحكم بسلطات وصلاحيات شبه مطلقة، إن لم نقل مطلقة.
ومع كلِّ هذا، فلا بد أن يكون هناك بداية؛ لا بد من خطوة أولى على الطريق للوصول إلى النهاية.
النظامُ الذي لا يقبل من الناس إلا أن يكونوا عبيدا، يسمعون ويطيعون-مع ما تعنيه العبودية من ذل ومهانة وسلب للإرادة-نظامٌ ذاهبٌ، عاجلا أم آجلا، مهما طال عمره، ومهما كان منه، من حين لآخر، من أصباغ ومساحيق ومناورات وترميمات لغرض التمويه والتدليس.
وقد يغُرُّ المستبدَ أن الناس باتوا عبيدا طوع البنان؛ لا، إنه غُرور يشبه السراب، لأن الناس مهما أصابهم من ذل وهوان وصَغار وخضوع للسلطة الغاشمة، فإلى حين، لأن جمرة الحرية والانعتاق والثورة على قيود الاستبداد والاستعباد ستظل كامنة تحت الرماد، تنتظر-وقد يكون الانتظار طويلا، لكن له نهاية مُجزية-من يُذكي لهيبَها ويؤجّج نارها، لتخرج من الضعف والكمون والهمود والخمود إلى الحياة والقوة والتوقّد والتلهُّبِ والأجيج.
إن في الناس دائما، ومهما كانت قوةُ القمع وضراوةُ البطش وفظاعةُ الغَشْم، أحرارا شرفاء أمناء يأبون حياة الدُّونِ، وحياة العبودية المقيتة، وحياة القيود المهينة، ويستشرفون حياة الحرية والكرامة والعزة والاستقلال.