الأربعاء، 4 سبتمبر 2019

مراجعات في الفكر والسياسة(8)


بسم الله الرحمن الرحيم                               

مراجعات في الفكر والسياسة(8)

تعليقاتٌ وردودٌ مقتضَبة
(1)
التواصل والتحاور والتفاهم هو الأساس، وليس لكاتبٍ مثلي لا يملك إلا قلما ورأيا ووِجهةَ نظر إلا أن يغمره الفرحُ وهو يرى حبلَ التواصل والتحاور والتفاهمِ موصولا بينه وبين قرائه، مهما كان رأيهم وموقفهم مما أكتب.
قد يختلف الناس، وتتباين آراؤهم، وتتباعد وجهاتُ نظرهم، لكن الإصرار على طَرْق باب التواصل والتحاور لا بد أن يؤتي أكله، عاجلا أو آجلا، ولا بد أن ينتهيَ التحاورُ-إن حسنت النيات وعزمت الإرادات وسمَت الغايات-إلى نتيجة ما، تكون بديلا إنسانيا حضاريا راقيا عن التخاصم والتباغض والتشاحن.
وفي اعتقادي أن الشرط المشروط ليكون التحاورُ مثمرا ومفيدا أن تُتَجَنَّب اللغةُ الإيديولوجية الجافة والحجاجُ العقديُّ المتعالي، لأن هذا الحجاج المتعاليَ وتلك اللغةَ الجافة ليس وراءهما، في نهاية المطاف، إلا الصدام والعداوة والجفاء.
أعرف أن المناضلَ المسلمَ لا يمكنه أن يتجرد عن هويته الإسلامية، وما تمثله عنده هذه الهويةُ من روح وقوة دافعة. لكن الخوض في القضايا السياسية يحتاج من السياسيين التحليَ بكثير من المرونة والصبر وحُسن التلطّف والتأتّي، لأن إشكاليّات الميدان السياسي-في الفكر والممارسة-لا يمكن معالجتها بالثنائيات الجازمة الحاسمة القاطعة، مثل: إيمان/كفر، حق/باطل، جنة/نار، ملك/شيطان، وإن كنت أقولُ، وأؤكد وأكرر وألحُّ في التَّكرار، أن المرونة والتلطف وحسن التأتّي لا تعني التخلِّيَ عن المبادئ، ولا المساومةَ والمداهنةَ والبيعَ والشراء على حساب ثوابت المعتقدات وقواطع الأحكام ومكارم الأخلاق. 
(2)
أريد أن يكون واضحا للقراء الأفاضل، ولكل المتتبعين والمهتمين، أني لا أريد بكتاباتي أن أفتح بابا للجدالات العقيمة التي لا تنتهي، كما لا أريد أن تكون آرائي سببا لتكريس الانقسامات الإيديولوجية التي ما زلنا نكتوي بنيرانها، فضلا عن نيران الاستبداد وما ينتجه من ظلم وفساد.
أيها السادة والسيدات، يا إخواني، ويا أخواتي، التعصبُ الأعمى في أمرٍ ظنيٍّ اجتهاديٍّ خلافيٍّ لا يورّث إلا التحجر والقسوة والعنف بوجهيه المعنوي والمادي.
أيها الناس، يا إخواني، ويا أخواتي، إن من أمارات التعصب المقيت والتحيز الإيديولوجي الوبيل التحرّجَ مِن كل مقالة فيها نقدٌ، والتضايقَ من كل رأي فيه اعتراضٌ، والغضبَ من كل صوت مخالف.
لقد كتبت في موضوع "المراجعات" عشرات المقالات، فصّلتُ وأطلتُ في بعضها، ولخصّت وأوجزتُ في أخرى، والقراءُ الأفاضل الذي يتابعون كتاباتي يعرفون هذا. وأنا أنصح قرائي الجدد أن يرجعوا إلى هذه المقالات حتى يتسنى لهم فهمُ كلامي في هذه الملخصات التي كتبتها بين يدي نشر كتاب "المراجعات"، الذي سيظهر قريبا، إن شاء الله، في نشرته الرقمية الأولى.
بعضُ الإخوة-وخاصة ممن يُسلمون المَقادةَ لعواطفهم، ولا يحتَفِلون كثيرا بالعقل والمنطق والمعطياتِ الواقعية والموضوعية-يُعلّقون على كلامي وكأنني لم أبدأ الكلامَ في موضوع "المراجعات" إلا اليوم. أقول لهؤلاء، بكل أخوة وصدق وصفاء سريرة-أقول لهم إن كنتم حديثي الاهتمام بالسياسة، فنصيحتي إليكم أن تتركوا جانبا العواطفَ الجياشة والانفعالَ والغضبَ والتعصبَ، لأنها لن تفيدكم شيئا في المعرفة والنظر والفهم؛ اسألوا أهلَ السابقة، واطلبوا إليهم أن يَدُلُّوكم ويَهدُوكم وينوِّرُوكم في هذا الباب.
النقدُ الحقيقيُّ البناءُ والمفيدُ لا يكون إلا بعد اطلاع وتحصيل وتدقيق واستيعاب. اقرؤوا، أيها السادة الأفاضل ما كتبْتُ، واستوعبوه وأحيطوا بمضامينه وغاياته، ثُمَّ بعد ذلك، هاتوا ما عندكم من نقد وتصويب وتصحيح، وما أنا إلا صاحبُ رأيٍ أتحرّى الصوابَ فيما أراه وأقدّره وأظنّه وأرجّحه، وقد أخطئ في الرأي والتقدير، وقد أصيب، وأنا في الحالتين أكتبُ بصفتي باحثا ومهتما ومتتبعا، وليس بصفتي كنت في الجماعة، وأنا اليوم خارجها.
إن الذين يقرأون مقالاتي ويقوّمون آرائي بهذا الميزان المختل، أيْ ميزان "في الجماعة/ليس في الجماعة"، لن يصلوا إلى طائل، لأنهم يشتغلون عن اللب بالقشور، ويلهون عن صُلْب المَتْن بالهوامش والحواشي والقيل والقال.
جرّبوا مرة، وكونوا جادّين في التجريب، وانظروا إلى ما أقول، وناقشوه وانتقدوه بمعزل عن كوني كنت أو لم أكن في الجماعة؛ اُسْمُوا وارتفعوا في نَظَرِكم ونقدكم، يرحمكم الله، ولا تكونوا إمّعاتٍ ترفضون مع الرافضين، وتغضبون مع الغاضبين، وتنوهون مع المنوهين، وترضون مع الراضين.
وأنا هنا لا أعمّم، ولهذا وجَب عليّ أن أعتذر للقراء الأفاضل، الذين ينتقدون مقالاتي ويرفضون آرائي على أساس أنها اجتهاد من باحث صاحبِ رأي، وإن هم استحضروا في بالهم علاقتي بالجماعة، فإنهم لا يتعدّون بهذا الاستحضارِ دائرةَ الأخوة والمودّة التي ما زالت تربطني بالجميع، ولا يجعلون من هذه العلاقة معيارا فاصلا في النظر والتحليل والحكم.
ومن الناس-سامحهم الله-من يطلب التعكير من أيِّ وجه، لأنهم لا يجدون لصيدهم حلاوة إلا في الماء العَكِر. قال الله، عز وجل: (وَقُل لعِبَادِي يَقُولُواْ التِي هِيَ أَحْسَنُ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ، إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا)، وقال الرسول، صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بالطّعّان ولا اللّعّان ولا الفاحش ولا البذيء". (يتبع)