الاثنين، 26 أغسطس 2019

مراجعاتٌ في الفكر والسياسة(2)

بسم الله الرحمن  الرحيم

مراجعاتٌ في الفكر والسياسة(2)

ماذا أقصدُ بـ"المراجعة"؟
هل هناك من فرق بين "المراجعة" و"النقد الذاتي"، أم هما بمعنى واحد، أم أحدهما عام والثاني خاص بتجربة بعينها؟
أنا في مقالات كتابِ "المراجعات" لا أرى أن المسألةَ المتعلقةَ بمفهومي "المراجعة" و"النقد الذاتي" ذاتُ أهمية، ولذلك اكتفيت باستعمال كلمة "مراجعات" متضمِّنةً معنى النقد الذاتي، لأن من المعاني التي تُحيل عليها كلمةُ "مراجعة" في اللغة، معنى المُعاودةِ والمُساءلة وتجديدِ النظر والتدقيقِ والتمحيص والتصحيحِ والنقد. 
والمراجعةُ، في شأن الأفكار والمواقف، قد تحصل بتغيُّرٍ جذريّ، أو بتغيّر جزئي، أو بتعديل في بعض المواقف دون أخرى، أو بتطويرٍ في بعض الأفكار وأساليبِ العمل، أو بنقدٍ للذات وتصحيحِ بعض الأخطاء، إلى غير أولئك من المبادرات والسلوكات التي يمكن أن تُعدّ في المراجعات. وإذا عُرف المقصود، فلا مُشاحَّة في العبارات.
إني أعتقد-وهذا رأيي على أيّة حال، وقد أكون مخطئا فيه-أن التنظيم الذي لا يُراجِع نفسه من حين لآخر، ويقوِّمُ اختياراتِه، حسب الواقع، بملابساته ومتغيراته ومستجداته، ولا يقبل بالنقد الذاتي، هو تنظيم آيلٌ، عاجلا أو آجلا، إلى التعثر والاضمحلال، وهذه سنة كونية، ولنا في كتاب العالم أمثلةٌ ناصعة للدرس والاعتبار.
والذي أعرفه أن جماعة العدل والإحسان لم تدّع، في يوم من الأيام، أنها فوق المراجعة والنقد، وأن منهاجَها هو منهاجٌ مقدس ومعصوم لا يجوز عليه ما يجوز على الاجتهادات البشرية من إمكانية المراجعة والتعديل والتطوير.
هذا هو الأصل والمبدأ الثابت؛ ما مِن فكرٍ بشري، مهما بلغتْ درجتُه في الفهم والفقه والصحة والرجحان، وكيفما كانت مكانةُ صاحبِ هذا الفكر في الدين والعلم والإبداع والإحسان، إلا وهو، بطبيعته البشرية النسبية، قابل للأخذ والرد، والنقد والنقض، والمراجعة والتغيير والتحوير والتطوير.
لكن الإيمان بالمبدأ والتنويهَ به في الكلام والأوراق والخطب والشعارات شيءٌ، والعمل به والتصرف على ضوئه في واقع الممارسة واتخاذ المواقف وحسم القرارات شيءٌ آخر.