الجمعة، 30 أغسطس 2019

مراجعاتٌ في الفكر والسياسة(6)


 بسم الله الرحمن الرحيم
مراجعاتٌ في الفكر والسياسة(6)

وبعد، فقد لخصت في "زبدة مقالات الكتاب" ثلاثَ نِقاط تمثّل المادة الخام التي استمدتْ منها مقالاتُ كتاب "المراجعات" موضوعاتها، وأدارت عليها نقاشاتِها وانتقاداتِها.
ورغم مرور سنوات على تاريخ كتابة هذه المقالات-بين خمس وتسع سنوات-فإني ما زلت أرى العطبَ قائما في المنهاج السياسي لجماعة العدل والإحسان، وفق منظاري وتشخيصي، وما زلت أعتقد أن الإشكاليات التي تطبع هذا المنهاجَ-طبعا، هناك من الناس مَنْ لا يرى في منهاج الجماعة إلا القوةَ والصوابَ والوضوحَ والغَناء، وهو رأيٌ مسموع ومحترم، ما دام الموضوعُ يحتمل تعددَ الآراء واختلافَ وجهات النظر والتحليل والتعليل-
قلت ما زلت أعتقد أن الإشكاليات التي تطبع منهاجَ الجماعة-وكلَّ عملٍ سياسيٍّ عموما-لن تعرف طريقا إلى الحل المطلوب ما دامت النقط الثلاثُ التي لخصتها في هذه الزبدة تقع فوق المراجعة والنقد، وما دام الناسُ لا يجرؤون على نقد الأفكار الاجتهادية السياسية للأستاذ المرشد، رحمه الله، وما داموا لا يُنزلون تراثَه المكتوبَ منزلتَه الطبيعيةَ، كما أراد له صاحبُه، من حيث هو رأيٌ وفكرٌ ونظرٌ قابلٌ للأخذ والرد، وموضوعٌ للنقد والتقويم، والتحوير والتعديل، وما دام الناسُ لا يجرؤون على إصلاح حقيقيٍّ في هياكل الجماعة، لتحتلَ مجالسُ الشورى والقرار المكانةَ التي تليق بها، وليُصبحَ لرأي الناس معنىً، ولأصواتهم وزنٌ وقيمة، ولقراراتهم أثرٌ وشأن.
لقد أراد الأستاذُ المرشد، رحمه الله، لـ"المنهاج النبوي"، بما أودعَه مِن نظرٍ واجتهاد وفقه ونقد، أن يكون مفتاحا للعقول والفهوم، ومغلاقا للتقليد وللجمود، ورائدا للاجتهاد والإبداع، ودافعا للإمّعيّة والصّنميّة. لكن الرياحَ جرَت بما لا تشتهيه السفن، فأصبح تراثُ الأستاذ المرشد مَتْنا "مقدسا" لا يجرؤ أحدٌ أن يقترب منه بنقد أو بشبه نقد.
قال الأستاذ المرشد في كتاب "العدل" (ص150): "كلّ عملٍ رائدٍ وفكرٍ وطيد إما أن يكونا مفتاحا لمزيدٍ مِن التقدم في الفهم والممارسة، وإما أن يكونا "سلفا" إليه ينتهي إدراكُ العقول المقلِّدَة وفيه تنغلق. وما مِنْ إمامٍ من أئمتنا الصالحين إلا ويقول لسانُ حاله ومقاله: افعلُوا كما فعلت، واجتهدوا لزمانكم كما اجتهدت، وارجعوا إلى مُنبثَق العلم ومنطلَق الوحي كما رجعت."
رحم الله الأستاذَ المرشد رحمة واسعة طيبة مباركة، وكتبه عنده في السعداء المرضيِّين الفائزين، ورفعه، بفضله وكرمه، مكانا رضيّا عليّا مع الذين أنعم عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم آمين.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ، وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر/10)
(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (آل عمران/8)
(يتبع)