الأحد، 26 فبراير 2017

أدونيس بلا قناع


أدونيس بلا قناع

تنبيه: يمكن حمل هذا الكتاب أو تصفحه مجانا على الرابط التالي:

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الأطهار، وصحابته الأخيار.
أساس هذا الكتاب هو سبع مقالات كنت كتبتها ونشرتها سنة2011 بعنوان "الوجه الآخر لأدونيس".
وقد راجعت هذه المقالات على ضوء ما اطّلعت عليه من كتابات جديدة، فأدخلت عليها تعديلات طفيفة تناسب غرضَ الكتاب، شكلا ومضمونا.
ومن المواد الأساسية التي اطلعت عليها، بعد نشر المقالات السبع، حوارٌ مطوّل لأدونيس مع الباحثة (حورية عبد الواحد)، نُشر بالفرنسية بعنوان "العنف والإسلام"[1]؛ والملاحظ أن توقيت ظهور هذا الكتاب/الحوار جاء في سياق الاعتداءات التي تعرضت لها فرنسا سنة2015، حيث وقع، في شهر يناير، اعتداء إجرامي على مقر جريدة (شارلي إيبدو)، بباريس، خلف عددا من القتلى. وفي شهر نونبر التالي وقعت عدة اعتداءات في باريس أسفرت عن سقوط العديد من الضحايا.
وقد كان لهذه الاعتداءات الإجرامية في فرنسا صدى عالمي واسع، تجلى في حملات ضخمة من الإدانة والتعبير عن التضامن مع الضحايا، ومع الجمهورية الفرنسية.
وفي تقديري أن حوار أدونيس في موضوع (العنف والإسلام) جاء في هذا السياق للتعبير عن موقف من الاعتداءات، تحديدا، ومن الإسلام عموما، لأن الأخبارَ والتحقيقات المنشورة ربطت المجرمين المعتدين بالسلفية الجهادية، وبـ(داعش)[2].
ولم يكتف أدونيس، في هذا الحوار، بإدانة المجرمين المعتدين، ورفضِ التشدد والتطرف والقتلِ باسم الدين، بل تعدى ذلك إلى إدانة الإسلام نفسه، والتطاولِ على القرآن بالافتراء والتجريح والتلفيق، حينما زعم أن (الوحي) هو معدن العنف والإرهاب، وهو المدونة العقدية الإرهابية، التي يستمد منها الإرهابيون، الذين يقتلون الناسَ باسم الإسلام، وباسم السلفية والجهاد، وأن الله-عز الله وجل وتنزّه عما يقول الملحدون الضالون ويصفون-هو رأس الإرهاب والقتل والتفنّن في تعذيب المخالفين والتمثيل بهم.
في هذا الحوار/الكتاب كشف أدونيس القناعَ عن وجهه الحقيقي، الذي طالما ظل مختفيا وراء المخاتلات والتلبيسات والمراوغات والمغالطات، على طريقة المنافقين في التعامل مع عقائد الإسلام ومخاطبة المسلمين.
لقد كان أدونيس، عندما يُحتجّ عليه بأنه يعادي الإسلام ويحاربه بما هو دين، يرد الاتهامَ بأنه لا يتحدث عن الإسلام بما هو دين، ولا يقترب منه بما هو وحيٌ وسنّةٌ وعقائد وشرائع، وإنما حديثُه ينصبّ دائما على أفهام المسلمين وتأويلاتهم واجتهاداتهم وسلوكاتهم.
ورغم أن دفاعه كان دائما ضعيفا، بل مردودا، بعرضِه على تصريحاته وكتاباته الكثيرة، التي لا تدع مجالا للشك بأن عداء الرجل إنما هو للإسلام بما هو عقائد وشرائع وأخلاق، وبما هو وحي ونبوة-فإن تصريحاته في هذا الكتاب/الحوار الأخير لا تتركُ له أيّ مجال للف والتهرّب والنفاق.
في جملة واحدة: لقد ظهر أدونيس في هذا الحوار بلا قناع.
أما القناعُ الذي طالما أخفى وجهَه الحقيقيَّ، فهو صورة الشاعر الحداثي المتمرد على الأصول والأمثلة والنماذج والأسلاف. فهذه الصورة هي التي عمل الإعلامي الحداثي المُوالي على ترسيخها لدى الجماهير العربية الإسلامية. فكل الأضواء كانت، وما تزال، مسلطةً على أدونيس الشاعر، وتتفادى وجهَه الآخر، وجهَ الملحد المناضل، الذي همّه معاداةُ الإسلام والطعنُ على أصوله ومعتقداته ورموزه ومقدساته، بكل الأساليب والوسائل، وهي أساليب ووسائل قائمة، في معظمها، على التزوير والافتراء والمغالطة والرجم بالغيب.
هذا هو الهدفُ الأساس الذي يسعى هذا الكتابُ إلى تحقيقه؛ إظهار أدونيس بوجهه الحقيقي بلا قناع، ومنه العنوان الذي اخترته للكتاب.
لقد أضفت إلى المقالات السبعة، بعد إدخال تعديلات طفيفة، ومراجعة بعد التواريخ، فصلا جديدا لخّصت فيه أهمّ الأسس الفكرية والفلسفية، التي تشكل قوام الإيديولوجية الإلحادية النضالية الأدونيسية.
وختمت الكتابَ بملحق أثبتّ فيه أربع مقالات لها علاقة بموضوع الكتاب، كنت كتبتها، على التوالي، سنة2003 و2008 و2013 و2015؛ المقالة الأولى بعنوان "ملكيّ أكثر من الملك"، والثانية بعنوان "بنت أدونيس في معرض الكتاب بالدار البيضاء"، والثالثة، وهي في جزأين، بعنوان "إلى المعجبين بأدونيس من أبناء المسلمين وبناتهم"، والمقالة الرابعة بعنوان "أدونيس في ضيافة الانقلابيين في مصر".
وبعد، فقد كان اعتمادي في مادة هذا الكتاب، أساسا، كما سيلاحظ القارئ الكريم، على خمسة كتب، أربعة منها صدرت بالفرنسية، كل واحد منها عبارة عن حوار لأدونيس مع طرف ثان؛ في الكتاب الأول، وهو بالعربية، وعنوانه "حوار مع أدونيس، الطفولة، الشعر، المنفى"[3]، حاور فيه أدونيس صقر أبو فخر. وفي الكتاب الثاني، وعنوانه "هوية ناقصة"[4]، تعاون فيه أدونيس مع (شانتال شواف). وفي الكتاب الثالث، وهو "محادثات مع أدونيس، أبي"[5]، حاورته ابنتُه (نينار إسبر). وفي الكتاب الرابع، وعنوانه "نظرة أورفي"[6]، والخامس، وعنوانه "العنف والإسلام"[7]، حاور أدونيس فيهما الباحثةُ والأستاذة المحاضرة (حورية عبد الواحد).
لماذا هذه الكتب أساسا؟
لأننا نستمع فيها إلى أدونيس، في كثير مما يقول، وهو يتحدث على سجيته، كاشفا عن حقيقة معتقده الإلحادي بلا لف ولا دوران ولا نفاق، ومبرزا عداءه الصريحَ للإسلام، وما يتعلق بهذا العداء من تلفيقات وأباطيل وافتراءات وتجريحات، منها ما يخص عقائدَ الإسلام وشرائعه وأخلاقه، ومنها ما يخص أحداث التاريخ وأعلامه وأخباره، ومنها ما يخص العلماء والمفكرين والأدباء. في كل ذلك، نرى الوجه الحقيقي لأدونيس الملحد المناضل، بلا زَواق ولا مساحيق.
أملي أن يكمل هذا الكتاب العملَ الذي بدأته في كتابين لي سابقين، وهما "الموديرنيزم وصناعة الشعر؛ الأصول والفروع"، وقد نشرته في طبعته الورقية الأولى سنة2005، والكتاب الثاني "المدرسة الحداثية الأدونيسية"، وقد ظهر في نشرته الرقمية الأولى في دجنبر من السنة الماضية 2016.
فهذه الثلاثيّة، كما يظهر من عناوينها، ترمي، في جوهرها، إلى غاية واحدة، وإن اختلفت مباحثها وتعددت موضوعاتها، وهي كشف القناع عن هذه الحداثيّة اللادينية التي تغلغلت في حياتنا، وباتت تهددنا في روح هويتنا، بما فرضته علينا من تبعية وتقليد وانصياع للحضارة الغربية، وخاصة في شقها الفكري الفلسفي، واختياراتها السلوكية والأخلاقية.
ولا أنسى أن أسجّل في نهاية هذه الكلمة جزيل شكري وعظيم امتناني لشقيقي نجيب مجذوب؛ فقد استفدت كثيرا من نقداته الفنية واقتراحاته الإيجابية، في كل كتبي الرقمية، وخاصة في الجوانب المتعلقة بالإخراج الفني وجمالية صفحة الواجهة.
ومن الله تعالى العون والسداد.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ، وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ)[8].
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.



[1] Violence et Islam, entretiens avec Houria Abdelouahed, éditions du Seuil, Paris, novembre2015.
[2]  (داعش) هي الاختصار الذي اشتهر لـ(الدولة الإسلامية في العراق والشام).
[3]  حوار مع أدونيس، الطفولة، الشعر المنفى، صقر أبو فخر، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 2000.
[4] Identité inachevée, Adonis, avec la collaboration de Chantal Chawaf, éditions du Rocher, Monaco, 2004.
[5] Conversations avec Adonis, mon père, Ninar Esber, éditions du Seuil, Paris, mars 2006.
[6] Le regard d’Orphée, Adonis avec Houria Abdelouahed, éditions Fayard, avril 2009.
[7] Violence et Islam, Adonis, entretiens avec Houria Abdelouahed, éditions du Seuil, novembre 2015.
 [8]  الآيتان 41 و42 من سورة إبراهيم.