الأحد، 7 يوليو 2013

الاستبداد ملة واحدة

بسم الله الرحمن الرحيم


الاستبداد ملة واحدة


(1)
الأنظمة الاستبدادية، بطبيعتها، لا يمكن إلا أن تكون في خندق الانقلابيين، والنظامُ المخزني عندنا هو واحد من هذه الأنظمة.
وكأن الموقف المغربي الرسمي من الانقلاب العسكري اللئيم الذي تم في مصر يوم 3 يوليوز الماضي قد كان جاهزا لا ينقصه إلا أن يصبح معلنا بطريقة رسمية.
من قرر الاعترافَ بشرعية الانقلاب في مصر بسرعة البرق، بل وإرسال برقية التهنئة للرئيس الدمية الذي عينه العسكرُ؟
هل تشاور الملك مع رئيس الحكومة في هذا الموضوع؟ هل تشاور مع الأحزاب المكونة للأغلبية الشكلية؟
هل كان بيانُ وزارة الخارجية التي تأتمر بأمر المخزن بيانا صادرا عن تشاور وتنسيق، أم كان صادرا عن إملاء وتنفيذا لأمر من فوق؟
هل كان هناك تقدير للمصالح والمفاسد من وراء قرار الوقوف مع الانقلابيين؟ أم هو الموقف المسبق الذي يفرض على المغرب المخزني الرسمي، مهما كانت الأحوال، أن يكون مع أمريكا ومع الأنظمة العربية الاستبدادية الدائرة في فلكها؟
ولا ينبغي أن ننخدع هنا بما أعلنته أمريكا من تجميد مساعداتها للجيش المصر حتى تتبيّن إلى أين تسير الأمور، لأن هذا الإعلان، من دولة كأمريكا، هو بمثابة ذر الرماد في العيون، بل قد يكون من الترتيبات المتفق عليها مع الانقلابيين الذين لا يمكن أن يكونوا قد تحركوا من تلقاء أنفسهم، لأن مصر، بوزنها وموقعها الجيوستراتيجي، لا يمكن أن يقرر في شأنها ضباطٌ طالما ارتبطوا، في دراستهم وثقافتهم وتكوينهم وتدريبهم وتمويلهم، بأمريكا وبسياسات أمريكا الاستراتيجية في منطقتنا العربية الإسلامية.
قرار مباركةِ الانقلاب على الشرعية الديمقراطية في مصر، والمسارعة إلى تهنئة رئيس الواجهة المدنية الذي نصبه الانقلابيون، هو قرار صادر عن الملك، الذي يحتكر شؤون السياسة الخارجية. أما رئيس الحكومة، ومعه وزير الخارجية وسائر زملائه في الحكومة، فليس له إلا أن يتبع رئيسه، ويبارك الانقلاب رسميا، وإن كان موقفُه في قرارة نفسه ضد الانقلاب ومع الشرعية الديمقراطية الشعبية!!
أرأيتم هذا المسخَ السياسي الذي ابتُلينا به؟
أرأيتم هذا الهزلَ السياسي الذي يشارك فيه، تابعا مأمورا خنوعا، السيدُ بنكيران ومن معه، ومَن وراءه من أصحابه وإخوانه وأخواته في حركته وحزبه؟
ومِن صور هذا الهزل السياسي أن السيد بنكيران لا يملك إلا أن يدافع عن قرار رئيسه الذي لا يُناقَش، وهذه مصيبة؛ أما إذا سكت بالمرة، فالمصيبة ستكون أعظم، لأن أقلَّ ما يمكن أن يُفسَّر به سكوتُه هو أن الرجل ليس بسياسي-ولن يكون في ظل دولة المخزن- وإنما هو موظف لدى دولة أمير المؤمنين، الذي يرجع إليه وحده شأنُ العلاقات الخارجية، كما ترجع إليه جميع شؤون الدولة الاستراتيجية.
لقد توالت على السيد بنكيران، منذ توليه رئاسة الحكومة، من الإهانات السياسية ما لو حصل عشر معشاره لرئيس حكومة في دولة ديمقراطية حقيقية لكان قد استقال ألف مرة إن لم تكفِه واحدة. فمن أين للسيد بنكيران بهذا الصبر الذي يفوق قوة الجبال؟
إن إدانة الانقلاب على الشرعية الديمقراطي في مصر على لسان بعض القياديين في حزب العدالة والتنمية، وكذلك البيان القوي والصريح الصادر عن حركة التوحيد والإصلاح في هذا الشأن، لا تنفع رئيس الحكومة في شيء، ما دام السيد بنكيران عاجزا أن يعبر عن اختياره السياسي بكل حرية وطلاقة من خلال المنصب الذي يشغله في الدولة.
سيقول المبرِّرون والمسوِّغون والباحثون للسيد بنكيران عن الحيل والمخارج إن للحكومة ضرورات تفرض عليها أن تتخذ ما تتخذه من المواقف، وإن كانت تخالف قناعات بعض أعضاء  هذه الحكومة، لأن السياسة لا تسير دائما وفق المبادئ والمعتقدات، وإنما هي محكومة بالضرورات.
مثل هذه الأقوال المبرِّرة المسوِّغة المحتالة كان يمكن أن يكون لها نفع ومعنى لو أن الحكومة كانت مشاركة، فعليا، في القرارات الاستراتيجية، ولو كان السيد بنكيران حاضرا برأيه وموقفه، بصفته رئيس حكومة منتخب، في السياسات التي ترسمها الدولة المخزنية في مختلف المجالات، ومنها مجال العلاقات الخارجية.
إن السيد بنكيران مع حكومته لا يملك إلا أن يقول: نعم سيدي. فالرجل، كما أصفه دائما، ملكي أكثر من الملك، وهذا ما جعل الدولة المخزنية تذهب في استغلاله إلى أبعد الحدود، لإعادة ترتيب أوراقها، التي بعثرتها عواصف الربيع العربي، والتخطيط للمستقبل باطمئنان وفي راحة بال، والتفكير في أمورها بروية لا يشغل بالها شيء، ما دام رئيس الحكومة قائما بالدور المنوط به على أحسن وجه، بل وزائدا من عنده أشياء إثباتا لولائه للنظام المخزني، ودفاعا عن دولته الاستبدادية باسم مقولات وشعارات وتسويغات أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها تسعى لتأبيد الأغلال في أعناق الناس من منظور سياسي فقهي اجتهادي يكرس أصول الاستبداد.  
إن دفاع المدافعين عن السيد بنكيران هنا لا معنى له، لأن الحكومة، برئيسها وسائر أعضائها، لا تملك إلا أن تنصاع وتسلم وتصدق وتسكت. هنا مربط الفرس، وهو أن الحكومة، التي عليها، اليوم وغدا، أن تقدم الحساب أمام الناخبين، لا تملك في أمر سياسات الدولة المتبعة إلا هامشا ضعيفا وضيقا، ولا تتمتع بسلطات تنفيذية حقيقية تجعلها قادرة على السير في تنفيذ برنامجها الحقيقي إلى آخر المطاف.
فبأي حساب سيواجه السيد بنكيران وحكومته الناس غدا؟
الملك، الذي يقرر في شأن السياسات الاستراتيجية للبلاد حسب نصوص الدستور الممنوح، غير ملزم ولا مطالب بأن يؤدي الحساب لأحد، لأنه فوق المتابعة والمحاسبة والمراجعة، وإن كان يمارس صلاحيات وسلطات شبه مطلقة.
فأي منطق هو هذا المنطق في ميزان السياسة والديمقراطية؟ الملك يفكر ويخطط ويقرر ويأمر بالتنفيذ، ولا أحد يحاسبه، لأنه لا سلطة فوق سلطته. والحكومة التابعة المأمورة المنفذة، من غير أن يكون لها في الأمر شيء، هي المطالبة بأداء الحساب!!
سنظل نذكر بهذا الهزل السياسي الذي يُفرض علينا فرضا، ونفضحه في صورته العبثية، التي تنتهك مبادئ السياسة وأصول الممارسة الديمقراطية الحقيقية، لتقدم لنا مسخا مشوها يسمونه "نظاما ديمقراطيا" متَبّلا بـ"الخصوصية مغربية".

(2)
إن انحياز المغرب للانقلابيين في مصر يفرضُه عليه اختياراته الاستراتيجية، التي تدعوه، مهما كانت النوازل والظروف، إلى أن يتجاوب مع حكام إمارات الخليج،  وأن يلتزم، في الجوهر، بما تمليه سياسات القوى العالمية، التي تتقدمها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تقوم، في منطقتنا العربية الإسلامية، أساسا، على عمادين اثنين: ضمان تدفق النفط العربي، وضمان أمن الدولة الصهيونية. هذان هما العمادان، وما عداهما من السياسات والأهداف إنما هو من التوابع الثانوية. أما الحكام المنخرطون كليا، وبلا شروط، في السياسات الأمريكية في المنطقة، ومنهم المغرب، فمصلحتهم الوحيدة في كل هذا هو أن تظل أنظمتهم قائمة إلى أن يموتوا.
 (آل سعود) و(آل نهيان) و(آل ثاني) و(آل الصباح) وغيرهم من حكام الخليج كانوا سباقين إلى تهنئة الانقلابيين في مصر. والمغرب المخزني الرسمي لم يكن له خيار إلا أن يتبع، وبسرعة، حتى لا يُسجل عليه أنه تأخر في المباركة والتهنئة، وحتى يكون دائما عند حسن ظن حلفائه في عائلة الأنظمة العربية الاستبدادية. أما حكومتُنا الخارجَة من صناديق الانتخابات النزيهة، فلأمّها الهَبَل!
وبعد، فماذا يعني انحيازَ المغرب السافر للانقلابيين؟
يعني هذا الانحيازُ، من بين ما يعنيه، أن المغرب المخزني الرسمي مع سرقة إرادة الشعوب، وإلغاء صوت الشعوب. وما حكومة بنكيران إلا الواجهة السياسية التي ستحمل، راضية أم كارهة،  أوزار هذا الانحياز.
يعني هذا الانحيازُ أن المغرب الرسمي مع حكومات الواجهة، التي تأتمر بأمر المستبدين القابعين وراء الستار، ومع تزوير الانتخابات، ومع انتهاك الدستور، والتلاعب بالقانون، والسير بالبلاد إلى المجهول.
يعني هذا الانحيازُ أن المغرب المخزني الرسمي مع الاستبداد السياسي، والفساد الاقتصادي، والتجاوز الحقوقي، والظلم الاجتماعي، والحكم الطاغوتي.
يعني هذا الانحيازُ أن المغرب المخزني لا يعبأ بما يمكن أن تؤول إليه الأمور من فتن وفوضى واقتتال وخراب ودمار، ولا يحرص على وحدة الأمة ومصالحها ومستقبلها إلا في الشعارات والخطابات الجوفاء، أما السياسات والأفعال والمواقف والقرارات في الواقع، فهي تسير في اتجاه معاكس تماما.
يعني هذا الانحيازُ أن كل ما وعد به المخزن قبل 20 فبراير2011 وبعدها إنما كان من قبيل المسكنات والمخدّرات لربح الوقت حتى تمر عواصف الربيع العاتية، ولم يكن عن رغبة صادقة في التغيير والانتقال من زمن الاستبداد إلا زمن الانعتاق والديمقراطية. وبناء على هذا التصور، يمكن النظر إلى حزب العدالة والتنمية بزعامة السيد عبد الإله بنكيران على أنه كان من أخطر المواد المخدّرة التي اعتمد عليها النظام المخزني في تسليك نفسه من منطقة الزعازع والشدائد والاضطرابات. أما نيات الرجال هنا فلا تنفعنا في شيء، لأن العبرة في السياسة بالوقائع والمنجزات والآثار في الأرض.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مراكش: 6 يوليوز 2013