الثلاثاء، 4 يونيو 2013

القردُ الفنّان و"نقّادُ" آخر الزمان(5)

بسم الله الرحمن الرحيم


القردُ الفنّان و"نقّادُ" آخر الزمان(5)
 


خلاصَات

(1)
مسخٌ وإرهاب
قردٌ حيوان يتحوّل إلى إنسان فنّان! هذا مسخٌ.
مَسْخٌ يُفْرَض على الناس، بكل وسائل القهر والدعاية والتلبيس والتزوير، على أنه خَلْقٌ طبيعيٌّ بديعٌ وجميل! هذا إرهاب.
"القردُ الفنان" يمكن أن نرى فيه اليوم رمزا لكل هذه الظواهر والسلوكات والخطاباتِ والأنشطة التي يُرَوَّج لها باسم "العلم"، أو  "الفن"، أو "الاقتصاد"، أو "السياحة"، أو "الحريات الفردية"، أو "الحقوق الكونية"، أو غيرِ أولئك من الشعارات واللافتات والأقنعة، وإن فتّشتَ عمّا وراء المظاهر الخادعة، والواجهات البرّاقة، فليس ثمّةَ إلا الأهواءُ والإديولوجيا والرغبةُ الجامحة في الهيمنة والاستبداد والإقصاء.
اٌنْظرْ، مثلا، إلى مهرجان "موازين"، الذي بات معدودا في مُقدَّسَات الدولة، التي لا ينبغي في حقّها إلا التصديق والتسليم؛ فالدولةُ المخزنية، بواسطة خدّامها، وهُمْ كثيرون عددا ونوعا وشكلا ونشاطا وتخصصا، تَفرض هذا المهرجانَ وتنظمه تحت رعاية الملك "أمير المؤمنين". وهذه "الرعاية السامية" تعني، من بين ما تعنيه، أن هذا المهرجانَ بجميع فقراته، ليس فيه ما يُعارض الإسلامَ، وأحكامَ الإسلام، وأخلاقَ الإسلام، وآدابَ الإسلام، ومقاصدَ الإسلام، لأن "أمير المؤمنين" رضيَ عنه وأعطى موافقتَه على رعايته. وما يرعاه "أمير المؤمنين" لا يمكن أن يكون فيه شيء يخالفُ الدينَ!
وإنه لمن البلادة والسذاجة والبلاهة أن يَظنَّ ظانٌّ أن الضوءَ الأخضر بتنظيم نشاطٍ ما تحت رعاية الملك يمكنُ أن يُعطَى من غير معرفةٍ مفصّلة بكل ما يتعلق بهذا النشاط، ومنظميه، ومُنشطيه، المُقيمين والزائرين، المغاربة والأجانب، وأهدافِه، وما إلى هذا مما يشمل الشاذةَ والفاذّة من متعلّقَاته، لأن الأمر يتعلق بضمانٍ ملكي يستوجب إحاطةً دقيقة ومعرفةً عميقة.
فالمهرجان، بهذا الامتياز الخاص، وبهذه الرعاية المولوية السامية، تفرضُه الدولةُ المخزنية على أنه جزءٌ من هُويتها الحضارية والثقافية والدينية، ومن ثمّ فإن أيَّ اعتراض أو انتقاد أو تشكيك، إنما هو اعتراض على الدولة، التي يرأسها "أمير المؤمنين".
ووجهُ الإرهاب هنا هو أن المخزنَ، من خلال منابره الدعائية، يريد أن يقول، بلغةِ الحال والواقع والنقلِ المباشر على الهواء، إن مظاهر المسْخ والخلاعةِ والرداءة والمَجَانة، التي تتخلل بعضَ فقرات مهرجان "موازين"، إنما هي من الأفعال والمشاهدِ التي يُقرّها "ديننا الحنيف" "المتسامح" "المتحرر" "المتنور" "المتطور" "المتكيف" مع ضرورات زمانه، ومتطلبات وقته، وأن المعترضين الرافضين والمحتجين، إنما هم من أعداء الفن والحرية والتسامح والانفتاح، لأن نشاطا يَرْضَى عنه "أمير المؤمنين" لا يمكن إلا أن يكون على هَدْي الإسلام، يجلبُ المصالحَ والمنافع، ويدفع المفاسدَ والمضارّ!!
وجهُ الإرهاب، هنا، هو أن يُفْرَض على المغاربة المسلمين أن يَقبلوا ويُسلِّموا، راضين أو مكرهين، مثلا، بأن المغنيةَ أو المغنيَ، الذي يظهر على الخشبة في وضع مُخل بالحياء، ومسيئا إلى الأخلاق والذوق العام، ومنتهكا للأعراف، هو "فنان" مبدعٌ مَرْضِيٌّ عنه في حكم الإسلام، لأنه فنّانٌ مشمول برعاية أمير المؤمنين، الذي إليه، وحده، ترجع الكلمةُ الأخيرة في شؤون إسلام المغاربة و"أمنهم" الروحي!!
وهكذا، وبفعل مَقامِع المخزن المقدّسة، وتحت سطوة إعلامِه وأبواقه، يتحول عبثُ القرود، على اللوحات، وفوق الخشبات، وعلى الشاشات، وفي المعارض، وفي المحاضرات والأمسيات، وعلى المنصّات، إلى "فنّ" بديعٍ يُطبِّلُ له "نقادُ آخر الزمان" ويزمّرُون، مُستَهْترِين بالتّقريظ والتمجيد.
بفعل هذا الإرهاب الثقافي، الذي يفرضه اللادينيّون المتطرفون بقوة ما يملكون من وسائل وإمكانيات، وبما تهيِّئُه لهم الدولةُ المخزنية من رعاية وحماية وتمويل، وبما يتلقون من الخارج من كل أشكال الدعم والتشجيع- بفعل هذا الإرهاب الثقافي، رأينا رجالا ونساءً من النخبة، يَحسبون أنفسَهم مسلمين، بل أكثر من المسلمين، عند اللجاجة والعناد والتكبّر-رأيناهم يقومون، منبهرين محترمين خاشعين، لملحدين مناضلين لا يفتأون يدنسُون مقدساتِ دينهم، بالطعن والتشكيك والجحد والباطل والتشويه والتلبيس!! رأيناهم، ونراهم، في مشاهد الخزي والمذلة والعار، يقومون، تعظيما وتشريفا للشيطان، وأيديهم لا تكفّ عن التصفيق، وملامحُ وجوههم تعلوها البهجةُ والانشراح، وكأنهم بحضرة "فاتح عظيم"، أو"وليّ حميم" أو"ملاك كريم"!!
"القرد الفنان" اليوم بات رمزا لهذا العبث والغثاء الذي هو آخذٌ في التمكن والتفاقم والانتشار بقوة الدعاية والإديولوجيا والإعلام، والذي أصبح له رواجٌ، وخاصة في الإعلام والمناسبات الأكاديمية، باسم الأدب والفن والإبداع، يسوّغُه ويبرّرُه ويشهَرُه خطابٌ نقديّ مُوالٍ، عن رأي واجتهاد واقتناع، أو عن هوى وانتهازيّة، أو عن تقليد وإمعيّة.
في جملة، "القرد الفنان" هو هذا اللاشيءُ الذي أصبح يُفرض علينا، بالحديد والنار-بالمعنى الحقيقي والمجازي- أن نقبلَه على أنه شيءٌ. إنه هذا الخواء والفراغ الذي يُقدّم ويُفسّرُ ويفَلْسَفُ على أنه عمرانٌ وقِوام وكِيان. إنه هذا القحط الذي صيّرهُ النّصْب والاحتيالُ والتزويرُ نماءً وفيرا وخيرا عَميما.

(2)
عبثُ القرود
في الأجزاء الأربعة السابقة من هذه المقالة، كان كلامي يدور على أمثلة تنتمي، سطوا وادعاءً وانتحالا، إلى مجال الأدب والإبداع الشعري، وما هي، في الحقيقة، من الإبداع الأدبي في شيء، وإن كان مُنشئوها لهم ذكرٌ صاخبٌ في عالم النجوم والأضواء والإشهار. وما أكثرَ الغثاثةَ والضلالةَ والسفاهَةَ في دُنيا النجوميّة، إلى درجة أن العَهارةَ باتت تُقدّم وتُفرض، في بعض الأحيان، على أنها من الفن الجميل(بعض الفقرات والعروض والمشاهد في منصات مهرجان (موازين)، مثلا).
لقد تناولتُ الأمثلةَ المختارةَ بالنقد والرفض والفضح، واجتهدتُ، حسب ما تسمح به طبيعةُ المقالة وحجمُها،  أن أبيّن أنها أمثلةٌ على العبثِ الخالص، الذي ليس فيه ولو صفة واحدة من صفات العمل الجادّ، بلْهَ العملَ الأدبيَّ البديع.
كيف يجرؤ من نعتّهم بـ"نقاد آخر الزمان" أن يصنفوا الكلامَ الفاحش، مثلا، في الأعمال الشعرية الجميلة؟ وكيف يصبحُ عندهم التطاولُ على مقدسات المسلمين، بكل أنواع الوقيعة والطعن والتشكيك والتجريح، من فنون القول، التي تُعجب وتُطرب وتَطير بالنفوس في سماوات الخيال الرقيق، وخفيّات العبارات الموحية، وبدائع الصور الشعرية اللطيفة؟
كيف يجرؤون على اعتبار الكلام المنثور التقريري المرذول شعرا، وهو كلام تَطَّرٍحُه كلُّ المعايير التي تعارف عليها نقادُ الكلام وأهل الصناعة، ولا يكون له قيمةٌ إلا في ميزان البذاءة والرذالة والسفالة؟
أنا أعرف أن علاقة الأدب بالدين والأخلاق كانت دائما علاقة يشوبها التوتر والشدّ والجذب، ولا تكاد تستقر حتى يعاودها الاختلالُ والتشنج. لكن حديثي عن (العبث)، في الأمثلة التي عرضتها في مقالاتي السابقة، كان بعيدا عن موضوع علاقة الأدب بالدين والأخلاق، لأني لم أكن أمام عملٍ أدبي حقيقي، أصلا، حتى يمكن معالجتُه وعرضُه على النقد والتحليل والتقويم.
حينما تُلغى القواعدُ والمقاييسُ والقوانين، وحينما تَعمُّ فوضى الأشكال والأساليب والتعابير، وحينما يصبح التمييزُ بين هذا العمل وذاك استنادا إلى معايير واضحة، وصفاتٍ وخصائص وعناصرَ ثابتةٍ، مُتعَذَّرا-حينئذ يصبح بابُ الفن والإبداع مُشْرعا لدخول المعارف والنكرات، وتسلُّلِ أهل الضحالة والادّعاء والانتحال، واختلاطِ الجدّ بالهزل، واختفاءِ الحدود والفروق بين المسؤولة واللامبالاة.
في هذه الأجواء من الاختلاط والادعاء والانتحال، لا غرابةَ أن تصبح "خَرْبَقَاتُ" القرد (شيتا) إبداعا خارقا، و"هلوسات" (رامبو) في جحيمه عملا ساحرا، و"هَرْطَقات" أدونيس في كلامه شعرا آسرا!! في اللغة: خرْبَقَ العملَ وخرْبَشَه، إذا عالجه بما يُفسده.
وبعد، فإني لا أرى كلمةً جامعةً مانعةً أحسنَ من كلمة "عبث" لتسمية  هذه الأعمال الخارجة على القواعد والمعايير التي أقرتها أجيالٌ عديدة عبر قرون طويلة من الإبداع والتجريب والتطوير والنقد والتهذيب، ولوصف هذه السلوكات التي سعت، وما تزال-وقد حققت بعض النجاحات- إلى إلغاء كل المقاييس والأصول والأسس التي بها يمتاز العملُ الإبداعي الحقيقي عن غيره، وتركِ الأمر فوضى، تعشّشُ في ظلها الرداءةُ وتَبِيض وتفرّخ.

(3)
شاهد الذئب
بشيوع قيّم اللاّدينية المتطرفة المنافقة المخادعة المخاتلة، وفي ظلِّ ما أحدثه العبثُ من الفوضى والاختلاط وتداخل الحدود والتباس المميزات والمحددات، أصبحت الظروف مواتية لتكوُّن "عصابات"، في مجال الفكر والأدب والنقد، أصحبتْ تعتبر نفسَها، ويعتبرها من هو تابع لها وواقعٌ تحت تأثيرها، ذاتَ سلطة مرجعيّةٍ "أكاديمية" في التنظير والنقد والتقويم، ليس لها من أدوات التفكير والتنظير والنقد والتقويم إلا الترجمة الحرفية عن الغرب، أساسا، وتقليدُ هذا الغرب تقليدا ببغاويا في كل ما ينتجه، وخاصة في العلوم الإنسانية والفنون والآداب، فضلا عن الأذواق الشخصية، والانطباعات الذاتية، والأهواء والظنون والتخمينات، ملفوفةً في لغةٍ إنشائيّة هي أقربُ إلى الهَذَر والثرثرة منها إلى الكلام المسؤول والنقد المعقول.
لقد غزَت هذه "العصابات"-عبر مسار تطوري طويل، ليس ههنا مجال التفصيل فيه-  معظمَ مؤسساتنا الأكاديمية، ومنابرنا الإعلامية بمختلف أشكالها، وصارت تحتكر الكلمةَ الفصل في شؤون الفنون والآداب والنقد، تعاضدُها المرجعيّةُ الغربية المهيمنة، والإديولوجيا الحداثيّة اللادينية، وتيسّر عملها وانتشارَها إمكانيات هائلة، ماديا وإعلاميا وسياسيا، تأتيها من جهات متعددة.
لقد غطّتْ ضوضاءُ الحداثية الببغاوية المتطرفة على الفكر الفكر الجاد، والنقد الموضوعي البنّاء، والفن البديع والجميل، والأدب الشائق الرائق الممتع والمفيد، فلا تكاد تسمع اليوم في فضاء الفن والأدب والنقد إلا "ضحكات" القرود و"مقالات" نقاد آخر الزمان، تكَرّسُ الغثاثة والرداءة والخواء والهباء.
أليس من الاستخفاف بالعقول إلى حدٍّ لا حدّ بعده أن يكتبَ أحدُهم، وهو من كبار نقادِ آخر الزمان، أن ما يمكنُ أن يكتبَه أو يقولَه إنسانٌ واقعٌ تحت تأثير المسكرات أو المخدرات إلى درجة لا يقدِر معها على التمييز، ومعرفةِ ما يجري حوله، ولا يستطيع أن يتذكر شيئا بعد أن يصحوَ وينقشع عنه السكر أو التخدير، هو معدود، لا محالة، في الأعمال الأدبية النفيسة التي تستحق أن يُعتَنى بها، إن وجدت ناقدا شاهدا كأدونيس، الذي زكّى ما كتبَه (هنري ميشو)(1899-1984) عن الكتابة "الطمس" و"المحو"، بل وزعمَ أن طريقَ المخدرات والمسكرات يمكن أن ينتهيَ بسالكه إلى حالة تشبه-لاحظوا هذه الجرأة في الاستخفاف بعقول الناس عند هذا الرجل- الحالةَ التي ينتهي إليها الصوفية بفعل ترويض الجسم. ويبالغ (شاهد الذئب)، بجرأته المعهودة، حينما لا يرى أيَّ مانع للمقارنة بين هذه الحالة-التي يكون عليها السكير الحشّاشُ من الطمس والغيبوبة واللاعقل والهذر والهذيان- وبين ما يسميه "بعض الظواهر الخاصة، كالنبوة، والانخطاف، والكتابة الآلية أو الإملاء"(الصوفية والسوريالية، ص58). ويمكن للقارئ المهتم أن يرجعَ إلى هذا الكتاب ليقرأ المزيد من هذه "الخزعبلات" و"التجديفات" و"الكفريات" و"الجهالات"، التي تسوِّقها لنا الحداثيةُ اللادينية العبثية في صور الفكر والإبداع والنقد،  وخاصة في الجزء المعنون بـ"المعرفة"، في القسم الأول، ص39 وما بعدها.
ومن سخافاتِ "شاهدِ الذئبِ" النظرُ إلى الشاعر الحداثيّ على أنه "نبيّ" له "وحيُه الخاص" و"حقيقتُه المطلقة"، وله رسالةٌ "كونية" تتمثل في تقويض العالم القديم، وبناء عالم جديد، وعليه مسؤوليةُ تفسيرٍ جديدٍ لموجودات العالم، وإعادة النظر في علاقات هذه الموجودات بعضها ببعض!!
أيُّ عبث هذا؟ وأي هذيان؟ وأيّ هباء وجُفَاء؟
ومن يستمعُ اليوم لهذا الكلام خارج أسوار البحثِ الأكاديميِّ المكبّلِ بسلاسل الحداثيّةِ اللادينيّة المتطرفة، والواقعِ في أسر مفكّري آخرِ الزمان وفنانيه وأدبائِه ونقاده؟ وهل لهذا العبثِ الغثائيِّ حضورٌ في جماهير المتلقين خارجَ المُناسبات المصنوعة، التي يتسنى فيها اجتماعُ أفرادِ عصابة العبثيّين وتواصلُهم وتواثُقُهم وتآزرُهم؟
لقد فرضوا بحديدِ (الإديولوجيا) ونارِها أن النثرَ، وإن كان باردا تقريريا، يمكن أن يصبح شعرا، وكرّروا، وأذاعوا، ونشروا، وكوّنوا، وأطّروا، فكانت النتيجةُ هذه (اللاشعريّةُ)، التي تطبع حياتنا الأدبية!
وقالوا إن الشعرَ لا يمكن أن يُحصر أو يُعرَّف أو يُقيَّد بقيود، أو حدود، أوصفات، أو تعريفات، أو مميزات، حتى يتسنى لنقاد آخر الزمان، ومعهم، ومِنْ ورائهم، القرودُ العابثون، أن يبقوا دائما المرجعَ الأول المسموع في الرفض والقبول، والتصنيف والتقويم والتحكيم.
وفرضوا، بالإديولوجيا وجعجعات الدعاية، وليس بالنقد الموضوعي، ونتائج البحث العلمي المقنعة، والرأي الأدبي الراجح- فرضوا أن "الكتابات الصوفية النثرية" هي من الشعر. رأيٌ رآه بعضُهم(مجرد رأي)، فصار اليوم مفروضا ومتداولا وكأنه حقيقة لا يرقى إليها شك؛ فقد عثروا على كتابات منسوبة إلى (النّفّري، محمد بن عبد الجبار) بعنوان "المواقف والخطابات"، فإذا بهذه الكتابات تصبح هي المرجعية المطلقة التي لا معْدى عنها في معرفة شعرية الكتابة الصوفية؛ مع أن البحث العلمي الموضوعي يؤكد أن (النّفّري) هو من الشخصيات المجهولة الغامضة التي لا نجد لها ذكرا في كتب طبقات الصوفية، ولا نكاد نعثر لها على ملامح واضحة في كتب التراجم والتواريخ والرجال، والراجح أن يكون هذا المجهولُ من المذهب "الباطني"، الذي أجمع علماء المسلمين على فساد معتقداته وضلال أصحابه. شخصيةٌ من النكرات تم تسليط الأضواء الحداثيّة عليها، لتصبحَ من الشخصيات البارزة، بل لتصبحَ مثالا للحداثيّين، لا يكادون يستغنون عنه، وليصبحَ الكلامُ المنسوب إليها معيارا أساسا لمعرفة خصائص بدعةِ ما بات يُعرف في الخطاب النقدي الحداثي بـ"قصيدة النثر".
هذه، باختصار شديد، خلاصاتُ قصةِ "القرد الفنان ونقاد آخر الزمان"؛
هذا يشهدُ لهذا بأنه "شاعرٌ حداثيّ"، وهذا يردّ الجميلَ بالشهادة لصاحبه بأنه هو أيضا "شاعر مبدع متمكن"، ويأتي "الناقد"، من العصابة نفسها، ليشهد للاثنين بأنهما من "الشعراء الكبار"، ثُم يأتي دورُ المدارس والمعاهد والجامعات، ثُم دور الدعاية والإعلام، ثُم دور الطبع والنشر، ثُم الأنشطة الثقافية والأمسيات الفنية والقراءات الشعرية، ثُم يخرجُ لنا في نهاية السلسلةِ هذا المسْخُ الذي غطّى قبحُه على كل جميل، وضاع في ضوضائه كلُّ عمل بديع.
اللهم اجعلنا من الصابرين (الذين إذا أصابتْهم مُصيبةٌ قالوا إنَّا لله وإنّا إليه راجعون).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مراكش: 04 يونيو2013