الأربعاء، 29 مارس 2017

(ومَنْ لا يُكرِّمْ نفسَه لا يُكَرَّمِ)

بسم الله الرحمن الرحيم

(ومَنْ لا يُكرِّمْ نفسَه لا يُكَرَّمِ)

(1)
عنوانُ هذه المقالة هو عَجُز بيت من معلقة الشاعر الجاهلي الحكيم زهير بن أبي سُلْمَى، وصدرُه: (ومنْ يغتربْ يحسبْ عدوّا صديقَه).
ومغزى هذا العنوان أنَّ مَن لم يجتنب أسباب الهوان والمذلة والاستخذاء، فلا ينتظرْ مِن الناس أن يُعزّوه ويرفعوه ويكرّموه؛ مَن رضي بالذّل منهاجا في عمله السياسي، فلْينتظرْ، في دولة المخزن، المزيدَ من ألوان المهانة وأشكال الاحتقار.
فحزبُ العدالة والتنمية اليوم يجني ثمارَ طريق الذّلة والصَّغَار التي اختار أن يسلكها في مشواره السياسي تُجاه النظام المخزني؛ فقد بدأ هذا المشوارَ بالخضوع والانقياد والتسليم، ولم يكن عنده إزاء المخزن إلا السمعُ والطاعةُ، مهما كانت الظروف والمناسبات.
لقد انبنت العقيدةُ السياسية لحزب العدالة والتنمية، وخاصة بعد التبرؤ من الشبيبة الإسلامية وتأسيس جمعية "الجماعة الإسلامية" سنة 1983، التي تحوّلت فيما بعد إلى "حركة الإصلاح والتجديد"-لأن أبرزَ قيادات الصفّ الأول في حزب العدالة والتنمية هم مِن خريجي هذه المدرسة-على الانصياع المطلق لإرادة المخزن، مهما كانت مطالبُه وأهواؤه وأوامرُه.
أذكّر بهذه الحقيقة من التاريخ القريب، التي كثيرا ما ينساها الناس، وخاصة من الشباب الحديث الذي فتح عينيه البارحة فلم ير إلا السيد بنكيران يصول ويجول بخطاباته النارية ضد "التحكم" و"العفاريت" و"التماسيح". وإني أدعو وأتحدّى كلَّ من يرفضُ أو يشكّك أو يعارضُ هذه الحقيقة أن يأتيني ولو بشذْرة مِن جملةٍ أو موقف أو خطاب أو قرار من أدبيات إسلاميّي حزب العدالة والتنمية منذ 1983 تُشتمّ منها رائحةُ الاعتراض على المخزن، أو السيرِ في غيرِ اتجاه هواه، أو رفضِ شيء مما كان يفرضُه عليهم.
هذا ما يشهد به التاريخُ الحديث القريب على حزب العدالة والتنمية، الذي نراه اليوم ينزل إلى حضيض العمل السياسي، حينما قبل أن يرميَ كلَّ المبادئ والقيم والشعارات المعسولة والتصريحات العنترية وراء ظهره، وأن يخضع لإرادة المخزن، ويهرول إلى حجز مقاعده في حكومة المخزن.
لقد كان بعضُ الناس يؤمّلون بعضَ الخير، وينتظرون من حزب العدالة والتنمية أن يفيَ ببعض وعوده والتزاماته السياسية، وخاصة بعد مخاض الربيع العربي سنة2011، لكن ظنَّ الجميع قد خاب، بعد إعلان السيد العثماني خضوعَه الكلي للمخزن، وقبولَه بكل الشروط والإملاءات لتكوين الحكومة الجديدة.
إن إعلان 25 مارس بميلاد الأغلبية الحكومية كان، في اعتقادي، بمثابة الصعقة التي أيقظتْ ونبّهتْ كلَّ مَن كان ما يزال لديه شكٌّ في مخزنيّة حزب العدالة والتنمية، وفي عدم أهليّة قيادتِه مِن الصف الأول للارتقاء بالعمل السياسي إلى المستوى الذي يليق بالقيم الديمقراطية الأصيلة، وبما يعلنه الحزبُ من مبادئ، وبما يرفعه من شعارات، وبما يبثّه من خطابات، وبما ينشره من أدبيّات.
لقد سقط القناع بإعلان 25 مارس، ولم يعُدْ أحدٌ من العقلاء الفضلاء ينخدع بخطابات "المظلومية"، التي طالما احتمَى بها حزبُ العدالة والتنمية في مواجهة خصومه، وكذلك في مواجهة ما كان يُوجَّه له من طعون وانتقادات، وخاصة فيما ينصَبُّ منها على اجتهاده السياسي وإيديولوجيته المخزنية.
وإني أذكّر دائما بأنه ليس عندي أيُّ مشكل مع الأشخاص، ولا مع ما يعتقدون وما يضمرون؛ فكل امرئ رهينٌ بعمله، حسب نيته ومقاصده، والله هو الذي يتولى السرائر؛ فلا شأن لي بضمائر الناس، وإنما شأني بما يكون منهم مِن سلوكات ومواقف وقرارات يمكن معاينتُها وقراءتُها وتفسيرُها وتقويمُها.
فأنا هنا أقرأُ وأقوّم وأحكمُ على مواقفَ واختيارات وقرارات باتت منشورة ومعروفة، ولا أحكمُ على مغيَّبَاتِ الصدور، ومُعتقدَات القلوب. أذَكّر بهذا حتى يترسَّخَ ويصبحَ واضحا عند جميع القراء.
أنا، حينما أصنّف حزب العدالة والتنمية في الأحزاب المخزنية، فبناءً على معطيات مَعِيشَة، وأدلة واضحة، ومواقف صريحة، وخطابات قاطعة، وليس بناء على موقفي من هذا الشخص أو ذاك، وإن كان لي رأيي في بعض أفراد قيادة الصف الأول في حزب العدالة والتنمية، الذي كوّنته مِن معرفتي بهم في فترة ماضية، ومما خَبَرته، بالتعامل المباشر، مِن بعض خصالهم ومبادئهم ومواقفهم وتصرفاتهم.

(2)
بعد هدوء عواصفِ الربيع العربي التي عرفها المغرب في سنة 2011، وبعد فوز حزب العدالة والتنمية في انتخابات نونبر2011 بالمرتبة الأولى، سرى في الناس أثرُ مُخَدِّرٍ قويٍّ، بمساعدة وجُهدٍ كبيرين من الدعاية المخزنية التي كانت ترمي إلى طمأنة الرأي العام والرجوع بالشارع إلى الهدوء، فأسلمَهم لنوم عميق استغرق خمسَ سنوات، تخللته أحلام عامرة بالأماني المعسولة. ولم يكد ظلامُ الليل ينقشع حتى انقلبت الأحلامُ اللذيذة إلى كوابيس مرعبة منفّرة، قد جمّعت مِن البشاعَات والنتانات ما لا يطاق.
لا أشك أن كثيرا من الناس قد انخدعوا بالمرجعية الإسلامية لحزب العدالة والتنمية، كما انخدعوا بالخطابات العاطفية المدغدِغة للمشاعر، والموَلِّدة للآمال والأحلام، وخاصة خطابات السيد عبد الإله بنكيران.
في الأثر: (مَن خدَعنا بالله انخدعْنا له). وهذا لا يعني إطلاقا التشكيكَ في نوايا الناس، والحكمَ على مطويات ضمائرهم ومعتقداتهم. فلست أقصدُ أن قيادة حزب العدالة والتنمية كان تستغل، عن قصد مبيَّت، عواطفَ الناس الإسلامية، لتركبَها لبلوغ أهداف حزبية أو ذاتية.
مقصودي بانخداع الناس بالخطاب الإسلامي، أو بالخلفية الإسلامية لحزب العدالة والتنمية، أن الناس كانوا يتصورون أن وجود الحزب في الحكومة، أو وجودَه، على الأقل، قريبا من المصادر العليا للقرار في البلاد، سيكون له انعكاسات إيجابية في حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لأن الحزب-كما يتصور عامة الناس الذي تعاطفوا معه وصوتوا لصالحه-ذو مرجعية إسلامية، ويده نظيفة لم تتلبس بشبهة من شبهات استغلال المناصب، ونهب المال العام، والحرص على المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة.
والحقيقةُ التي كان على الحزب أن يبيّنها للناس فلمْ يفعلْ، هي أن الذي يقعُ بين أضراسِ النظام المخزنيِّ لا ينفعه إيمانٌ ولا إسلام، وإنما النافعُ الصالح المُرْبح مع النظام المخزني هو الولاء والسمع والطاعة والانقياد المطلق.
هذا هو الأساسُ الذي انبنى عليه الاختيارُ السياسي لحزب العدالة والتنمية منذ أكثر من ثلاثين سنة. وقد اجتهد بعضُ قادته، كالسيد سعد الدين العثماني، والسيد محمد يتيم، في كثير من كتاباتهم، منذ وقت مبكر، أن يجدوا لمراجعاتهم السياسية مسوّغاتٍ فقهيةً، فراحوا يبحثون في فتاوى القدماء، ويَنْظُرون في الأدلة التي بنى عليها العلماء بعضَ اجتهاداتهم السياسية في شأن علاقة الحاكمين بالمحكومين، وفي شأن الموقف الشرعي من الأنظمة الجائرة، فاجتمع بين أيديهم مِن ذلك متْنٌ لا بأس به، اتخذوه تُكَأَةً اعتمدوا عليها في تبرير انصياعهم للمخزن، والتحوِّل مِن اتجاههم الأول، الذي نبَت في أحضان (الشبيبة الإسلامية)، إلى اختيار المشاركة في اللعبة المخزنية بلا قيد ولا شرط.
لقد بالغ هؤلاء المحلّلون-بمعنى المُحلِّلِ الذي يتزوّج المطلقَةَ ثلاثا حتى يحلّ لها الرجوعُ إلى مُطلِّقِها الأول، أيْ الذي يجعل ما كان محرَّما بالطلاق البائن حلالا-مِن حزب العدالة والتنمية وتعسّفوا بعضَ التعسف في إسقاط فتاوى القدماء واجتهاداتهم الفقهية على واقعنا السياسي، فكان مِن سلوكهم هذا أنهم رأوا الانبطاحَ السياسيَّ وما يكون معه مِن ذل وهوان اختيارا راجحا على البقاءِ في دائرة المعارضة ومواجهة النظام المخزني، ورفضِ الفساد والاستبداد.
كان هذا في بدايات تحوّلهم. ومع الأيام، وبعد سنواتٍ من الترويض في الطاحون المخزني، أصبحوا يرون أن الشرعية كلَّ الشرعية إنما هي للنظام، وأن المصلحةَ الراجحة تقتضيهم أن يكونوا دائرين مع المخزن، حيثما اتجه، وكيفما فعَل.
وقد ترجمَ حزبُ العدالة والتنمية، ووراءه (حركة التوحيد والإصلاح)، ووراء الجميع، مِن قبلُ، (حركة الإصلاح والتجديد) و(رابطةُ المستقبل الإسلامي)، هذه الاستفاداتِ الفقهيةَ مِن اجتهادات القدامى إلى برنامج سياسي متكامل، يَدين في روحه بالولاء التام للدولة المخزنية. ومِنْ رَحِم هذا البرنامج، خرج الجيلُ الثاني والثالث من قيادات الحزب وأطره؛ أما مَنْ شذَّ، فهو من الاستثناءات التي تؤكد القاعدة.  
إن الذين انخدعوا بالخلفية الإسلامية لحزب العدالة والتنمية، من عامة الناس، لا يعرفون كثيرا في هذا "التحليلات" الفقهية، والتبريرات المقاصدية، التي ما فتئ يستند إليها منظّرُو الحزب، كالسيدين العثماني ويتيم، في إيجاب السمع والطاعة، في المنشط والمكره، للنظام المخزني الحاكم.
وهل مِن المقاصد الشرعية أن يكون مِن الحزب الخضوعُ التام، لا لعلَّةٍ إلا لأن في عدم الخضوعِ توهمَّ احتمالِ التصادم مع النظام، أو توهُّمَ احتمالِ غضبه وردّه القاسي الذي لم يعودوا مستعدِّين لتحمُّله، أو توهُّمَ احتمالِ الرجوع إلى النسيان ومعاناة الوحشة بعد أن ذاقوا نعيم القرب والأنس؟
هل مِن المصلحة الراجحة القبولُ بالهوان والذل مِن أجل تثبيت المكتسبات المحقَّقَة؟ وعن أيِّ مكتسبات يتحدثون؟
وأين هو وجهُ المفسدة اليوم في مقاومةِ الاستبداد والفساد؟
وأين هي المصلحةُ في التطبيع مع المفسدين، و"تحليل" سياساتِ المستبدِّين؟
نعم، في هذا المستوى يظهرُ الاستغلالُ السيء للدّين، لأنه استغلالٌ يزيد من تنويم العامّة وتخديرهم، ويجعلهم لُقَما سائغة في حلوق أهل الجور والتحكم والفساد.

(3)
لم يكد خبرُ الإعلان عن مكونات الحكومة المخزنية العثمانية-نسبة إلى الدكتور سعد الدين العثماني-ينتشرُ حتى انطلقَ "المحلّلون"-مِن تحليل الحرام، كما سبقت الإشارة-مِن الأنصار الموالين في تسويغِ ما وقع وتبريره، وتقديمِه على أنه عمل سياسيٌّ طبيعيٌّ ومشروعٌ، وأنه ليس مِن الانبطاح والتخاذل والقبول بالذِّلة في شيء.
فمِن قائل-من هؤلاء "المحللين" المسوِّغين الموالين، ومنهم أعضاء في قيادة الأمانة العامة للحزب-إن السياسة لا بد فيها من التنازل، وأن قراراتِ الحزب ليست مقدسة، وأن الأحكامَ تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة، وأن السيد العثماني لم يكن له محيد أن يختار أحدَ الضَّرَرين فاختار أخفَّهما؛ أيْ أنَّ أثقلَ الضرريْن المتروكَ هو الخروجُ إلى المعارضة، والدفاعُ عن المبادئ والقيم، ومواجهةُ دولة الاستبداد!
ومنهم مَن استعان في دفاعه عن الأغلبيّة المعلنِ عنها-مِن مكوّنات هذه الأغلبية، كما بات معلوما، حزبُ الاتحاد الاشتراكي الذي طالما أبدت قيادةُ الحزب تشددا وصلابة في رفض وجوده داخل الحكومة، إلى درجة أن السيد بنكيران قال في بعض تصريحاته-وهو ما يشبه القسَمَ-إنه لن يكون هو بنكيران إن أصبح الاتحاد الاشتراكي مِن مكونات الحكومة؛ وها هو ذا قد أصبحَ من مكوناتها، وأنفكَ راغم، فماذا أنت فاعلٌ، يا سيدي؟ هل ستفي بما قطَعْته على نفسك؟ -
قلتُ ومِن "المحللين" مَن ذهب في دفاعه عن الأغلبية الحكومية الجديدة إلى استدعاء مبررات "مُحَلِّلاتٍ" من السيرة النبوية، فذكّر بقصة "حلف الفضول" في الجاهلية، و"صلح الحديبية" في الإسلام؛ وكل هذه الاستدعاءات من أجل بيان أن المصلحة الراجحةَ مُقدَّمة على المفسدة، وهذا يعني، عندهم، على ضوء واقعنا السياسي، أن الخضوعَ والاستسلام لإرادة المخزن هو مِن المصلحة الراجحة. طبعا، المصلحةُ المرجوحة هي النأيُ بالحزب عن المخزن وفلكِه، والتشبّثُ بالدفاع عن إرادة الناخبين، والمبادئ الديمقراطية النظيفة.
ومن هؤلاء "المحللين" مَن زعم أن السيد بنكيران لم يفشل، وأن خلَفَه لم يستسلم ولم يفرّط في المبادئ، وأن الحكمةَ السياسية فرضت على الحزب أن يرجعَ خطوة إلى الوراء من أجل التقدم خطوات إلى الأمام. أيُّ وراء؟ وأيُّ أمام؟ وأي حكمة؟ وأي تقدّم؟ وهل أشنعُ وأردأُ وأحطُّ وأسخفُ مِن هذا اللف والدوران لتسويغ الذل والمهانة والانبطاح ولَعْق الأحذية؟!!
ومنهم مَنْ أرجع سببَ هذا الانبطاح العبثي إلى الشعب، الذي، في زعمهم، اختار أن يُعطيَ لحزب العدالة والتنمية المرتبة الأولى في الانتخابات، ليكون في الحكومة، لا ليرجعَ إلى المعارضة!
ما أكثرَ الفظاعاتِ والبشاعاتِ التي تُرتكب باسم هذا الشعب المسكين!
وما أكثرَ المصائبَ والجرائمَ التي تُبرَّر باسم المصلحة الوطنية العليا المفتَرى عليها!
وما أكثرَ السفالاتِ والحقاراتِ والدناءاتِ التي تُسَوّغُ وتُفرضُ باسم العزة والشرف والكرامة!
المهمُ عند "المحلّلين" هو الاجتهاد والاحتيال من أجل إيجاد المبررات، مهما كانت متهافتة، ومهما كان ضعيفة ومجرَّحة ومُهَلْهَلة، وإلا، فما علاقة السيرة النبوية الشريفة الطاهرة بهذه "التحليلات" الحضيضيّة-من الحضيض أي النزول إلى القاع-التي تصل في بعض عباراتها إلى الوقاحة الصريحة؟
ما علاقةُ القواعد الأصولية بالتفاهات السياسية التي تُقَرَّر وتُعتَمَد باسم "الإجماع" و"الشورى" و"الديمقراطية الداخلية"؟
باختصار، ما علاقة معالي الأمور بسَفْسَافها؟ وما علاقة المعروفات بالمنكرات؟ وما علاقةُ الشريف العريق ذي الباع بِهَيِّ بْنِ بَيّ؟ يُقال لمَنْ لا يُعرف أصلُه هو (هَيُّ بْنُ بَيٍّ).
وبعد، فهل أصدقُ، في سياق هذه المقالةِ، مِنْ قول الشاعر الجاهليِّ الحكيمِ: (ومَنْ لا يتّقِ الشّتمَ يُشْتم)؟
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.



السبت، 25 مارس 2017

سياسيّون أمْ ممثّلون؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

سياسيّون أمْ ممثّلون؟!

(1)
نحتاج، دائما مع الأسف، أن نذكّر ببعض البديهيات المتعلقة بالعمل السياسي السليم، لأن ممارسات النظام المخزني قد شوّهت هذه البديهيات وحرّفتها حتى أحالتها إلى أدواتٍ تسوّغ الكذبَ والتزوير والتدليس.
السياسيّ الحقيقيُّ، لا المزوَّرُ، في الأنظمة الديمقراطية الحقيقية، لا المزَوَّرةِ، يتقدمُ للناس، في الانتخابات، ببرنامج موضوعي، له حدٌّ أدنى من المصداقية من حيث تصوراتُه ومقترحاتُه وأهدافه وأرقامُه، ويطلبُ أصواتَهم للفوز والتمكّن من السلطات الفعلية، التي يضعها الدستور والقانون بيد الفائز، ليباشرَ تطبيق برنامجه والوفاءَ بما وعد به الناخبين، إما من طريق أغلبيةٍ يغلب عليها لون واحد، أو من طريق تحالف من عدة أحزاب، لكن على أساس تقاربٍ في المرجعية والرؤى والبرامج والأهداف.
القوانين في الأنظمة الديمقراطية، وعلى رأسها الدستور، تضمن للفائز من الأحزاب السياسية المتنافسة على السلطة، الحقَّ في امتلاك سلطات الحكم الحقيقية، ومنها سلطةُ الإشراف على دواليب الإدارة العمومية، وسلطةُ وضع السياسات، في مختلف المجالات، وتنفيذِها من غير اعتراض أو عرقلة أو تعويق من أي جهة، إلا جهة مخوَّلَةً بالدستور والقانون طبعا، وسلطةُ التحكم في المالية العامة والميزانية سياسةً وتحصيلا وإنفاقا، وغيرها من السلط الحيوية لإدارة دفة الحكم.
فلا يكون للمحاسبة في السياسة معنى إلا حينما يكون المحاسَبُ مسؤولا يملك بالفعل سلطةً الاختيار والتقرير والتنفيذ؛ أما المسؤول الذي ليس بيده سلطة حقيقية، فإن المحاسبة في حقه ثانويةٌ مقارنةً بالمحاسبة الرئيسية التي يجب أن تتوجه إلى من بيده سلطةُ الأمر والقرار، لا إلى المأمورين المنفذين التابعين.
أما السياسيُّ "الممثّلُ"، فهو نقيض الأول، وعمله أقربُ إلى الشعوذة والتهريج والإلهاء منه إلى العمل الجاد والممارسة المسؤولة.
لقد قلت وسأظل أكرّر حقيقةً كالشمس الحارقة لا تحتاج إلى دليل، وهي أن الاستبدادَ، بأيّ زيٍّ تزَيّى، هو قتلٌ للسياسة، وتفريخٌ للممثّلين من كل الأصناف والدرجات. ومع الاستبداد، وفي حواشيه، تنتعش ثقافة التزوير والتدليس، وتنمو صناعة الوهم والأساطير، وتنتشر أخلاق النفاق والغش والمداهنة، ويسود التعتيم والغموض، وتنْفُق سوقُ الإشاعات والأباطيل.
الممثّلُ يكون وراءه كاتبُ النصّ والمخرجُ والديكورُ والماكياج والمؤثرات الصوتية والبصرية. وقد ينجح بعض النجاح في أداء دوره، إن كان ممثلا موهوبا، مع وجود نص رديء وإخراج ضعيف؛ لكن المصيبة تتضاعف حينما نكون أمام ضعفٍ وهزال وقبح ورداءة تشمل الجميع، نصا وإخراجا وتمثيلا وإكْسِسْوَارات.

(2)
مظاهرُ التمثيل في حياتنا السياسية نراها اليوم جليّة في الأجواء والخطابات والتصريحات التي تواكب "المشاورات" التي دشنها السيد سعد الدين العثماني، رئيسُ الحكومة المكلف بعد إعفاء السيد بنكيران، مع الأحزاب السياسية.
فإذا كان الدستورُ الممنوح يضع الملكَ على رأس الدولة بسلطات وصلاحيات شبه مطلقة، ويجعلُه متحكما في كل المؤسسات الحيوية في الدولة، إما مباشرة وإما بواسطة، ويُعفيه من أي شكل من أشكال المتابعة والمحاسبة-فلا يوجد في الدستور، ولا في غيره من قوانين الدولة جملةٌ واحدة أو شبهُ جملة يُفهم منها أن الملك، مثله مثل سائر المسؤولين، الذين يمارسون سلطةً من السلطات، يمكنه أن يخضع للمحاسبة والمراجعة-
قلت إذا كان الدستورُ الممنوح يجعل الملكَ على رأس الدولة بسلطات شبه مطلقة، ويجعل الحكومةَ تابعةً له، وسياساتها من سياسته، وقراراتها من قراراته، ويجعلُ رئيسَها في خدمته وتحت مراقبته وسلطانه، فأنّى لرئيس الحكومة المعين لتشكيل الحكومة الجديدة أنْ يكون حرا في تصرفاته، وإن كان النصّ الدستوري يسمّيه رئيسا للحكومة، ويجعلُه مسؤولا عن تشكيلها وسياساتها ومواقفها وقراراتها.
فالنص الدستوري الذي يجعلُ رئيسَ الحكومة يتمتع بحرية الحركة والتصرف، ينقضُه النصُّ الذي يجعل يدَ الملك فوق الحكومة، في صغيرِ أمرها وكبيره؛ فيكفي أن يكون الملكُ هو رئيس مجلس الوزراء، لتصبح جميعُ تصرفات الحكومة تحت إمرته، يوجهها حيثما شاء، ويقبلُ من أعمالها ما يشاء، ويرفض ما يشاء.
هذا على المستوى النص الدستوري.
أما على مستوى الواقع، فإن من الحقائق التي باتت معروفةً ومشهورة أن الأحزابَ التي أفشلت السيد بنكيران، سلفَ السيد العثماني، في مهمة تشكيل الحكومة، هي أحزابٌ مخزنية بامتياز، سواء التي نشأت في أحضان المخزن وبإذن منه، كالحركة الشعبية، والتجمع الوطني للأحرار، والاتحاد الدستوري، أو التي التحقت مؤخرا بدار المخزن، كالاتحاد الاشتراكي.
فكيف نستسيغُ أن السيد بنكيران كان يتعامل مع هذه الأحزاب، وهو يجهل أنها أحزابٌ تأتمر بأوامر المخزن، لا تملك من أمر استقلالها إلا القشور؛ فهي أحزاب، عند السمع والطاعة، إذا طلبها المخزنُ، وليُّ أمرها، للخدمة والمشاركة في تنفيذ مخططاته؟!
كيف يُرادُ لنا أن نستسيغَ أن السيد عزيز أخنوش، الذي باتَ فأصبح رئيسا للتجمع الوطني للأحرار، والذي ليس له أي تاريخ سياسي، ولا أي تجربة حزبية واضحة ومعتبرة، كان يفاوض السيد بنكيران، واليوم السيد العثماني، بإرادة حزبية مستقلة عن النظام المخزني، التي يراقب الشاذة والفاذة في الساحة الحزبية، ويحسب الصغيرة والكبيرة مما يدور داخل الأحزاب، لا يفوته منها مثقال ذرة؟!
وقُلِ الشيءَ نفسَه عن الأحزاب الأخرى التي شاركت في إفشال مهمة السيد بنكيران، وهي اليوم تُظهر "الضحكة الصفراء" للسيد العثماني، الذي يردّ عليها بضحكة مثلها تسكن محيّاه لا تكاد تفارقه.
لقد أثبتتْ لنا تجربةُ السيد بنكيران مع هذه الأحزاب التي تجاوزت خمسة أشهر أن الأمرَ لم يكن في حقيقته "مفاوضاتٍ سياسيةً" بين أحزاب طبيعية، وإنما كان "تمثيلا"، اجتمعت فيها كلُّ الشروط، مِن نص وإخراج وديكور وغيرها من لوازم التمثيل.
كانوا يمثّلون، ليوهموا أنفسَهم أولا، ونحن ثانيا، بأنهم سياسيّون يتفاوضون، كما يتفاوض السياسيون المحترفون الأصحّاء، وبأنهم مستقلون، فيما يختارون وفيما يقرّرون، وأنهم لا يخضعون لأيّ جهةٍ من الجهات، ولا لأي سلطةٍ من السلطات، وأنهم لا يتبعون إلا ما ترجّحُه عندهم قناعاتُهم ومبادئهم واختياراتُهم ومواقفُهم الحزبية!!
ومنْ سيصدّقهم، وكلُّ الدلائل والمعطيات والمؤشرات تدل، بل تُثبت وتؤكد أن "تمثيلهم" تجاوزَ حدّ الرداءة إلى الحضيض، وأنهم باتوا مفضوحين في العراء لا يسترهم شيء؟
وقد تتبعنا القصة أكثر من خمسة أشهر، فلا داعي للإثقال على القارئ بإعادة حكاية فصولها هنا مرة أخرى. بل ها نحن اليوم، السبت 25 مارس، وقد مرت ثمانية أيام منذ تكليف السيد العثماني بتشكيل الحكومة، نسمع أن الحكومة الجديدة توشك أن ترى النور، وأن ما عُرف بالبلوكاج سيزول قريبا. وهذه السرعة الفائقة في نجاح السيد العثماني فيما فشل فيه سلفُه السيد بنكيران دليلٌ قويٌّ وفاضحٌ وحارقٌ على هذه التمثيل الرديء الذي يشوه حياتنا السياسية، والذي يترجم عن سيناريو وإخراج في غاية الضحالة السياسية.

(3)
التمثيلُ الذي أنا بصدد تصويره ونقدِه لا ينفك عن التزوير، وليس أيَّ تزوير، بل هو تزويرٌ كبيرٌ وخطير، لأنه يهمّ مصيرَ أمّة، لأن آثاره تمتد لتشمل حياتنا السياسية من كل النواحي، فتجعلها حياةً تعاني الاختناقَ والميوعة والهشاشة والاضطراب بوتيرة لا تعرف الانقطاع، وتهدد بالانفجار-لا قدّر الله-في أي لحظة.
المفتَرَضُ أن رئيسَ الحكومة المعينَ يعرف قبلَ غيره، بالاستناد إلى الدستور والقانون والعرف، أن سلطاته ضعيفة جدا جدا، بل إنها سلطاتٌ مقيدة ومراقبة وتابعة لا تمكّنه من الحكم قِطْميرا، بل لا تمكّنه حتى مِن التحكم في الإدارة العمومية، التي هو رئيسُها المفترض على الأوراق.
وهذا الرئيس المعين، يعرف أيضا، وقبلَ غيره دائما، أن البرنامجَ الوحيد الذي يُطبق في الدولة هو برنامج الملك، وأن البرامجَ التي يتنافس بها المتنافسون في الانتخابات هي لذرّ الرماد في العيون، كما يُقال، لأنها من متطلبات الدور المَنوط بالأحزاب تمثيلُه على مسرح حياتنا السياسية، وَفْقَ ما رسمه المخرجُ وكاتبُ السيناريو.
فمن التمثيل الفِجّ أن يأتيَ رئيسُ الحكومة، بعد تشكيل حكومته، أمام البرلمان ليعرضَ ما يسميه "برنامج" حكومته!
أولا، أين ذهبت البرامجُ التي سمعنا عنها في الانتخابات، والتي، على أساسها، نالت الأحزابُ من الأصوات ما نالت؟
ثانيا، أين هي الوعودُ التي تميزت بها الأحزابُ في حملاتها الانتخابية، والتي وعدت بأن تجدَ لها طريقا إلى التنفيذ إنْ هي فازت ووصلت إلى الحكومة؟
ثالثا، ماذا يعني هذا البرنامجُ الذي تتقدم بها الحكومةُ أمام البرلمان لينال الثقة مقارنةً ببرنامج الملك، الذي هو الأصل، والذي سيجده الوزراءُ على مكتبهم في أول يوم يلتحقون فيه بعملهم؟
رابعا، مَنْ سيتحملُ المسؤوليةَ السياسيةَ والتّبعات المالية المتعلقة بالعشراتِ من الاتفاقيّات التي وقّعها وزراءُ "حكومة تصريف الأعمال" في أثناء جولات الملك الأخيرة في أفريقيا؟
خامسا، وفي جملة: أين ذهبت إرادةُ الناس الذين صوتوا لهذه الأحزاب؟ وأين هي مصداقيةُ شعاراتهم ووعودهم؟ وأين هي مصداقية كلمتهم؟
لو كنا نعيش حياة ديمقراطية حقيقية صافية من الشعوذة والتزوير والتمثيل، لكان لمَا أطرحُه من ملاحظات وتعليقات وأسئلة معنى. لكننا، مع الأسف، وهذا ما تريدُ أن توضحه هذه المقالة، نعيش حياة سياسية حوّلتها المشاهدُ التمثيلية إلى حياة يخنقها التزوير والتمويه والتوهيم.
فالحزبُ الذي يشارك في "لعبة" الانتخابات، ويزعم أنه يسعى للفوز، ليحكمَ، وليطبقَ برنامجَه، هو حزبٌ ممثِّل ومزوِّر؛ ووجهُ التزوير هنا هو أنه يعرف أن الأحزابَ، عندنا، لا تحكم، مهما كانت قوتُها، ومهما كانت المرتبةُ التي تفوز بها في الانتخابات، لأن الحاكم الحقيقيَّ والوحيد، بنص الدستورين الممنوح والعرفي، هو الملك. والذي يزعم غيرَ هذا هو مزوِّر، وقائلٌ بغير الحقيقة المنصوص عليها في فصول الدستور، وكذلك الحقيقة المعيشة في الممارسات الفعلية في الواقع.
فمن مشاهدِ التمثيل الثقيلِ والمرذول، في حياتنا السياسية، أن نرى رئيسَ الحكومة، الذي يعرف، قبل غيره، أنه لا يملك أيَّ سلطةٍ فعلية على أدوات الحكم الأساسية، كالإدارات والمؤسسات العمومية، والداخلية، والخارجية، والأمن، والدفاع، والمالية والاقتصاد، يأتي إلى البرلمان، كما كان يفعل السيد بنكيران، ويدعي أنه المسؤولُ الأول عن الإدارة العمومية، وأن الوزراء يعملون تحت إمرته، وأنهم لا يتصرفون إلا بموافقته، وأنه، وأنه، وأنه، مما يوهم السامع بأن الرجل، بالفعل، يملك سلطةَ الفعل والقرار؛ وهذا من التزوير، الذي يشوه الحياة السياسية، ويزيدها اختناقا وفسادا وعبثا.
كيف يدعي رئيسُ الحكومة شيئا، وهو يعلم، بالممارسة اليومية في دواليب الدولة المخزنية، أنَّ ما يدّعيه لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة، وأنه لا يعدو كونَه ممثِّلا حين يعرض على الأسماع خطاباتِ الوهم، التي يُفترضُ في أيِّ مخزنيٍّ سامٍ أن يكونَ متقنا لها، بارعا في تسويقها إلى أبعد مدى؟
لقد أمدّتنا الممارسةُ الواقعية، خلال خمس السنوات الماضيات، بشواهد لا تُعدُّ ولا تُحصى، على أن السيد بنكيران كان، بالفعل يتكلم كثيرا، ويَظهر كثيرا، ويُضحِك كثيرا، ويُغضِب كثيرا، لكنه لم يكن يتعدى الدائرةَ التي رسمها له مَن يضعون السياسات الاستراتيجيةَ، ويتخذون القرارات الحاسمةَ، ويمسكون بكل الخيوط الحساسة المتحكمة في شرايين الدولة.

(4)
في مفاوضات تشكيل الحكومة، بعد انتخابات السابع من أكتوبر، التي دامت أكثر من خمسة أشهر مع السيد بنكيران، وتستمر اليوم مع السيد العثماني، لم نسمع، فيما صدر عن المتفاوضين مِن تصريحات، شيئا عن اختلاف بينهم في التصورات، ولا في المرجعيات، ولا في البرامج، ولا في الأولويات، ولا في الاقتصاد، ولا في أي شيء له علاقة، مباشرة أو غير مباشرة، بمصالح الناس، وإنما الذي سمعناه لم يكن يتعدى موضوع المشاركة في الحكومة؛ فبنكيران من جهة، يشترط كذا وكذا، والآخرون، من جهة أخرى، بقيادة أخنوش، يربطون مشاركتهم بكذا وكذا، من غير أي اعتبار للمرجعيات، ولا للأفكار، ولا للبرامج، ولا للتباين في الأدبيات الحزبية، ولا لأي شيء ممّا هو الأهمُّ والمعتبَرُ والمُقدَّم عند السياسيّين المحترفين الحقيقيين، لا الممثِّلين المزوِّرين المشعوِذين المهرِّجين.
واليوم، نسمع عن قرب زوالِ ما عُرف بالبلوكاج، وميلادِ الحكومة الجديدة.
كيف؟ وماذا تغير بين الأمس واليوم، حتى يتمَّ ميلاد الحكومة بهذه السرعة؟
هل يملك السيد العثماني قوةً خارقة، وإمكانياتٍ عجيبةً ساحرة؟
هل يتميز السيد العثماني عن سلفه السيد بنكيران بفرادة باهرة قاطعة حاسمة؟
لا شيء من كلِّ هذا؛ فالسيد العثماني، مثلُ أخيه وحبيبه ورفيق دربه السيد بنكيران، مخزنيٌّ مُروَّض مِن الدرجة العالية، ومعدنه المخزنيُّ مِن النوع النادر النفيس، ومِن ثمَّ فهو، إنْ رضيَ عنه النظامُ لقيادة الحكومة في السنوات الخمس المقبلات، سيكون الاختيارَ الأول، لأن خدمته ستكون، بلا أدنى شك، ممّا "يحمّر" الوجهَ، ويغيظ الأعداء الحاسدين.
هذه الحكومةُ الجديدة، إن كُتب لها أن تتشكل قريبا، لن تكون إلا حكومةً هجينة ضعيفة خاضعة متحكَّما فيها، عن قربٍ وعن بعدٍ، أكثر من سابقاتها.
إن تشكيل الحكومة، اليوم أو غدا، لن يكون بفضل كياسة رئيس الحكومة المُعيّنِ ومهاراته الخارقة ورِفْقِه الديبلوماسي العجيب، ولا بفضل مرونة جبهةِ السيد أخنوش ومن معه، وتيسيرهم وتعاونهم، ولا بفضل أيِّ شيء له علاقة بالسياسة الحقيقية والبرامج والمصلحة والتعاون. لا؛ تشكيلُ الحكومة، اليوم أو غدا، سيكون، كما كان دائما، بضوء أخضر قويّ ناصعٍ من النظام المخزنيّ، لأنه هو المُخرِج وكاتبُ السيناريو الأصلي، والآخرون، في رأيي، إنما همْ ممثّلون لهم أدوار محددة، تتطلب بعضَ المهارات الذاتية، وشيئا من اللطافة والرشاقة في الحركة والقفز واللف والدوران فوق خشبة التمثيل.
خلاصةُ هذه المقالة أن داءنا العضالَ إنما هو في الفلسفة والأسس التي تتحكم في حياتنا السياسية؛ فلا دواء لهذا الداء، في اعتقادي، إلا بمراجعة هذه الفلسفة، وتغيير تلك الأسس، ووضع دستور ديمقراطي حقيقي قمينٍ بنقلنا مِن دولة الجبر والتعليمات والتحكم في كل شيء، إلى دولة الحقوق والحريات والمؤسسات الحرة والمسؤولة.
فالاستبدادُ، كيفما كان اسمُه ونوعُه وفصلُه، لن يُوَلّد لنا، في حواشيه وعلى أعتابه، إلا ممثّلين في صورة سياسيّين، يؤدون أدوارا محفوظة في مقابل رَيْعٍ وامتيازاتٍ وكراسيَّ ومناصبَ ساميةٍ كاذبةٍ خادعةٍ، وللشعب الخطاباتُ الرنانةُ والشعاراتُ المبهْرَجة والوعود المُخْلَفة.
دورُ الممثِّلِ في المشاهِدِ كلِّها//أنْ يجْعلَ الوهمَ الصريحَ مصَدَّقا
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

الاثنين، 20 مارس 2017

هل بقي للعدالة والتنمية مِنْ مصداقية سياسية؟

بسم الله الرحمن الرحيم

هل بقي للعدالة والتنمية مِنْ مصداقية سياسية؟

(1)
ما تزال كلّ المعطيات والمؤشّرات والوقائع ترجح عندي أن الأحزابَ التي يقبل النظامُ المخزني بها في "لعبته الديمقراطية" لا بد أن تكون أحزابا مروّضَة، كثيرا أو قليلا، لتخضعَ وتسمع وتطيع، ولتفهم بالإشارة والتلميح قبل العبارة والتصريح، ما يحبه المخزنُ وما يكرهه، وما يقبله وما يرفضه، وما يسُرّه ويطمئنه وما يغضبه ويثيره.
فالأحزاب اللاعبة في الساحة السياسية، التي رسم النظامُ حدودها، وفرض معالمها، وأثّث فضاءاتها، لا تنفك عن الجرثومة المخزنية، كثيرا أو قليلا، حسب المدة التي استغرقها كلُّ حزب في الترويض، وحسب الأشواط التي قطعها كل حزب على طريق "التّمَخْزُن".
فالأحزاب اللاعبة وفق القواعد التي يفرضها النظامُ المخزني، والتي ليس عندها اعتراض ولا احتجاج، ولا تشكيك ولا رفض ولا انتقاد، هي كلها أحزاب مخزنية من حيث المبدأ، لكن مَخْزَنِيَّتَها درجاتٌ، تتراوح بين الدرجة الابتدائية الأولى، حيث يكون الترويض في بدايته، وبين الدرجة العليا، حيث يكون الترويض قد بلغ غايته القصوى، وأصبح المُرَوَّض بموجبه مقبولا عضوا كامل الأهلية في بيت النظام، ليس في ولائه أدنى شك، ولا في استعداده لخدمة "الأعتاب الشريفة" أي ارتياب، ولا على إخلاصه ووفائه أيُّ تحفظ.
وحتى تكون المفاهيمُ واضحة، وجبَ أن أذكّر أن النظام المخزني، عندنا في المغرب، نظامٌ سياسي قوامُه ملكية وراثية تنفيذية، حيث الملكُ يسود ويحكم بسلطات شبه مطلقة-إن لم نقل مطلقة-وفق دستور مكتوب ممنوح و"دستور عرفي" غير مكتوب، يجر وراءه تجارب قرون عديدة من أساليب الحكم السلطاني المطلق، فضلا عن الطقوس والعادات والتقاليد، منها ما بقي على عتاقَتِه، ومنها ما داخلته بعض التجديدات والترميمات والزيادات، التي فرضها العصر. والملكُ في هذا النظام، ووفق النصوص الدستورية والقانونية، علاوة على الممارسات العرفية، لا يخضع لمحاسبة، ولا مراقبة، ولا مراجعة، ولا تملك أية جهة، ولا أي مؤسسة، أن تنتقد سياساته، أو تحاسبه على قراراته، أو تعترض على اختياراته. أما مؤسسات الدولة، سواء الناتجة عن الانتخاب أو الناتجة عن التعيين، فكلها في خدمة المؤسسة الملكية، إما مباشرة، أو من خلال وسائط. والحكومة بكل مكوناتها إنما هي أداة من أدوات الملك في الحكم، تطبق برنامجه، وتنفذ سياساته، وتأتمر بأوامره، وتنتهي بنواهيه.

(2)
حزب العدالة والتنمية حزبٌ سياسي لا غبار على مخزنِيّته، ولا على ولائه للنظام، من قنة رأسه إلى أخمص قدمه. وهذه الحقيقة معروفة ومشهورة، ولا تحتاج إلى برهان ولا بيان.
وما يزال المخزنُ بإسلاميّي (حركة الإصلاح والتجديد)، التي اندمجت سنة 1996 مع (رابطة المستقبل الإسلامي) في (حركة التوحيد والإصلاح)، حتى جعلهم يخضعون بالكلية لإرادته، ويقبلون أن يمارسوا العمل السياسي تحت مراقبته ووفق قواعده وأهدافه، بلا شروط، حينما فتح لهم الدكتور عبد الكريم الخطيب، رحمه الله وغفر لنا وله، بضوء أخضر من المخزن طبعا، أبوابَ حزبه (الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية)، الذي كان في حالة موات، والذي سيصبح اسمه (حزب العدالة والتنمية) ابتداء من سنة 1998.
وكثيرا ما ينسى الناسُ التاريخَ، وإن كان قريبا وحديثا، في خضم مشاغل الحاضر، وفي حمأة آثار التخدير الإعلامي اليومي المستمر، فلا يتذكرون إلا ما شاهدوه البارحة، أو ما سمعوه اليوم، وخاصة في مجتمع يعاني ضعفا كبيرا على مستوى الوعي السياسي، بسبب الممارسات المخزنية القرونية، كما يعاني من كوارث وتشوهات وعاهات فظيعة على مستوى الممارسة السياسية والعمل الحزبي.
فمن التاريخ الحديث الذي يجب ألا يغيب عنا، ونحن نشاهد ما نشاهده اليوم، ونسمع ما نسمعه، في حياتنا السياسية، أن حزب العدالة والتنمية، في نشأته وتطوره ونجاحاته حتى وصوله إلى الحكومة ورئاستها، هو حزبٌ مخزني، يخدم، أولا وأساسا، مصالح النظام المخزني، راضيا أم كارها. وهذه الحقيقة التي يشهد لها تاريخ الحزب، وما عرفه هذا التاريخُ من تقلبات وأحداث ومؤتمرات وانتخابات، لا يمكن أن تغطيَها أو تؤثر في نصاعتها الأدبياتُ والشعارات واللافتات التي يرفعها الحزب، وإن كان وراء هذه الأدبياتِ واللافتات والشعارات نياتٌ صادقة ومقاصد بريئة؛ فليست العبرةُ في السياسة بالنيات، وإنما بما يراه الناسُ ويعايشونه ويحترقون بناره في واقعهم؛ ليست الدائرةُ، في السياسة، على الخطابات والشعارات، وإنما الدائرة فيها على المواقف والقرارات والممارسات.
ومع الأسف الشديد، فإن تاريخَ مواقفِ حزبِ العدالة التنمية وقراراتِه وممارساتِه، وخاصة منذ سنة 1996، لم يكن إلا خضوعا لإرادة المخزن، ونزولا عند رغباته ومطالبه، وتكيّفا مع سياساته وأهدافه، والأدلةُ على هذه الحقيقة أكثرُ من أن تحصى، ويكفي ههنا أن نتذكّر أن السيد عبد الإله بنكيران كان دائما يصرح بما معناه وملخّصُه أن الملك هو رئيسه، وأنه، بصفته مأمورا وتابعا، ليس عليه إلا السمع والطاعة.

(3)
في سنة 2011، وأمام زمجرات الربيع العربي وأعاصيره التي أتت على بعض الأنظمة العربية الاستبدادية من القواعد، اضطر النظامُ المخزنيُّ أن ينحنيَ للعواصف، ويضعَ دستورا ممنوحا، جديدا في زمان وضعه، قديما في مواده وطريقة وضعه وأساليب الدعاية له وإقراره في استفتاء يوليوز2011. كما اضطر أن يخفّف قبضتَه التحكّميّة، ويتركَ انتخابات نونبر2011 تجري بلا تدخل إداري كاسح، ولا تزوير فاضح، وإن كانت القوانينُ التي أطّرت هذه الانتخاباتِ قد ظلّت كما كانت، وهي قوانين تخدم مصلحةَ النظام، لأنه يظل متحكما في الخارطة السياسية، مهما كانت نتائج الاقتراع، ويظل المشهد السياسي مُبَلْقَنا، يستحيل معه على أي حزب أن يحصل على الأغلبية أو ما يقرب من الأغلبية، ومن ثَمَّ يستحيل تكوين حكومة من غير أن يكون للمخزن الكلمةُ الأولى في تشكيلتها وسيرِها وحركاتِها وسكناتِها.
اضطر المخزنُ، بفعل تهديدات الربيع العربي المغربي، التي ظهرت بعضُ إرهاصاتها مع احتجاجات حركة20 فبراير، أن يخفف من قبضته على الحياة السياسية، وأن يترك الانتخابات تجري بلا تزوير مفضوح، وهو ما أتاح لحزب العدالة والتنمية أن يتصدر نتائج الانتخابات، ويُدعَى لتكوين أول حكومة في ظل الدستور الجديد/القديم.
لقد اضطر النظامُ أن يتعامل مع حزب العدالة والتنمية عن كُرْه، لكنه استغلّ هذا التعاملَ الاضطراري، الذي دام خمس سنوات، ليقضيَ من ورائه مآربَ أخرى، سياسية واقتصادية واجتماعية، كان يصعب، إن لم نقل يتعذر، قضاؤها لولا وجودُ حزب العدالة والتنمية على رأس الحكومة وداخلها بعدد لا بأس به من الوزارات.
لقد استفاد النظامُ من حزب العدالة والتنمية إلى أقصى الحدود في السنوات الخمس التي كان فيها مضطرا للتعامل معه. وكانت الخطةُ المخزنية، حسب تقديري، أن يتم التخلي عن هذا الحزب، بعد انتخابات أكتوبر2016، والرجوعُ إلى ما قبل الربيع العربي، أيْ إلى نظام يتحكّم في الصغيرة والكبيرة من حياتنا السياسية، وإلى برلمان وحكومة ومؤسسات منتخبة ليس عندها إلا الولاءُ المطلق للمخزن، والتنفيذُ الحرفي لتعليماتِه وتوجيهاتِه وسياساتِه.
ولمّا جاءت نتائجُ انتخابات السابع من أكتوبر على غير ما كان ينتظره النظامُ، تحرّكت الآلة المخزنية البارعةُ في التشويش والتضليل والتعويق واختلاق الأزمات، فاخترعتْ ما عُرف بالبلوكاج إلى أن تمّ إعفاء السيد بنكيران، بطريقة لا تخلو من احتقار وإذلال، مِن تشكيل الحكومة، وتعيينُ السيد سعد الدين العثماني بدَلَه لمحاولة جديدة لتجميع أغلبية الحكومة المقبلة.
بكلّ صراحة، وعلى المستوى السياسي، لست أتعاطف، ولو قيد أنملة، مع السيد بنكيران، لأنه واحد من المخزنيّين الأوفياء، الذين لا يتركون أي مناسبة تمر ليثبتوا أنهم ملكيّون أكثر من الملك؛ فالرجل كان يعرف أنه قَبِلَ باللعب في ملعب كل شيء فيه ممكن، وأخفُّ هذا الأشياء الممكنة الإهانةُ والطردُ واللطم والركل والضرب على القفا.
لقد كان السيد بنكيران بإزاء المخزن، دائما، سامعا مطيعا إلى أقصى الغايات، ومع ذلك لم يمنعه كلُّ ذلك أن يُستغنَى عن خدماته فيصبح من المُبعَدين، بعد أن انتهت مدة صلاحيته، كما قدّرها النظام.
لماذا تم إعفاؤه والاستغناءُ عن خدماته، مع أنه أبان عن ولاء منقطع النظير للدولة المخزنية ولنظامها السياسي، قبل أن يصبحَ رئيسا للحكومة، وبعد أن أصبح رئيسا، وحتى بعد إبعاده؟
الجواب الحقيقيُّ هو عند مَن فعلوا به ما فعلوه، وقرروا في شأنه ما قرروه. أما أنا، فرأيي أنه قد يكون أُبْعد لأنه بات شخصية لا تناسب النظامَ من بعض النواحي، وخاصة وأن السيد بنكيران، في فترة رئاسته للحكومة، أصبح كثير الظهور والكلام، يتحدث، في بعض الأحيان بلا كوابح ولا ضوابط، وقد يقع في كلامه زلقاتٌ غيرُ محسوبة، أو إشاراتٌ وتلميحات لا تعجب النظام، الذي يحصي على خدامه وأعوانه كلَّ أنفاسهم؛ المهم أن (اللُّوكَ) السياسيَّ للرجل لم يعد مناسبا للمخزن، لأن من أهم الصفات التي ما تزال الدولةُ المخزنية تطلبها في خدّامها، هي التكتّم والتحفّظ والترزّن والتحوّط وقلّةُ الكلام التي تشبه البَكَمَ في كثير من الأحيان.
قد يكون ما ذكرتُ من أسبابِ الاستغناء عن بنكيران، وقد يكون هناك أسباب أخرى غير ما ذكرت. لكن النتيجةَ الواضحة هي أن السيد بنكيران بات من المُبعَدين، وأصبح رفيقُه في مسيرته السياسية الطويلة السيدُ سعد الدين العثماني هو المفضل لدى المخزن لتكوين الحكومة الجديدة.
هل سيأمرُ المخزنُ بإزالة العراقيل والمشوشات والمعوّقات من طريق العثماني؟
هل سيُيسِّر المخزنُ نجاحَ رئيس الحكومة المعين الجديد في مهامه؟
باختصار، هل النظامُ جادٌّ في تعيين السيد العثماني بدلا عن السيد بنكيران، أم أنه يناور لربح الوقت والتمهيد لسيناريو آخر يضع حدّا نهائيا للتعامل مع حزب العدالة والتنمية؟
الجواب سيأتينا قريبا، بعد أن يكملَ السيد العثماني ما يُسمَّى مشاوراتِه مع الأحزاب السياسية.

(4)
إذا كان المخزنُ قد قتَلَ السياسةَ-وكلُّ استبداد هو بطبيعتِه قاتلٌ للممارسة السياسية السليمة والعملِ الحزبي الطبيعي-فإن الأحزابَ القابلةَ بلعبة المخزن، الخاضعةَ لإرادته، اللاعبةَ في ملعبه، قد انشغلتْ بالتمثيل بجثةِ المقتولة، وتدنيس حرمتها، بدل أن تبادر، على الأقل، إلى إكرامها بالإسراع بدفنها.
البارحة كان معظمُ قيادات حزب العدالة والتنمية، وفي مقدمتهم أعضاءُ الأمانة للحزب، يصرحون بأنهم لن يقبلوا، من داخل الحزب، بديلا عن السيد بنكيران لتشكيل الحكومة. وقد ذهب السيد مصطفى الرميد، وهو من إخوان السيد بنكيران المقرَّبين، في رفض سيناريو تعويض السيد بنكيران بشخصية أخرى من داخل الحزب، إلى القول عن نفسه بأنه لن يكون (بنعرفة) العدالة والتنمية، كناية عن الغدر والخيانة.
كان هذا البارحة، أي قبل صدور بلاغ الديوان الملكي بإعفاء السيد بنكيران يوم 15 مارس2017.
أما اليوم، وبعد أن استقبل الملك السيد العثماني، يوم 17 مارس، وعينه رئيسا جديدا لتشكيل الحكومة، وبعد اجتماع المجلس الوطني للحزب يوم السبت18 مارس، لم نسمع عن هذه القيادات التي كانت بالأمس القريب ترفض أي بديل عن بنكيران من داخل الحزب، إلا مباركةَ قرار الملك، واستعدادَها للتعامل الإيجابي معه.
فأين هي المصداقية في مثل هذه المواقف الحربائية؟
أين هو الالتزام والمبادئ والأخلاق؟
ألهذه الدرجةِ بات حزبُ العدالة والتنمية منبطحا خانعا مستخذيا مستسلما؟
ألهذه الدرجة سكنت رهبةُ المخزن، والخوفُ من معارضة إرادته، قلوبَ قيادات الحزب، حتى باتتْ هذه القيادات مستعدة لأن تفعل أيَّ شيء، إلا أن تردّ طلبا للمخزن ما دام راضيا عنها، وما دام خضوعُها وانبطاحُها يفتح الطريق أمامها لكراسي الوزارات وامتيازاتها، ويُبقي الأضواءَ مسلطةً عليها وهي دائرة في فلك أصحاب السلطان، وسائرةٌ في ركابهم، ولو في زمرة الخدم والحشم. المهمُّ، عندهم، هو عدمُ الرجوع إلى الظل، إلى المعارضة وما باتتْ تعنيه عندهم هذه الكلمةُ من حرمان ومعاناة وبُعدٍ عن الأضواء، بعدما ذاقوا حلاوةَ القرب من السلطة، ولذاذةَ خدمةِ أعتابها الشريفة الكريمة السخية المعطاء.
أهؤلاء هم الذين سيعوِّل عليهم المغاربةُ لتدبير شؤونهم، والانتقال بهم من دولة القمع والمنع والتعليمات إلى دولة الحريات والحقوق والمؤسسات المستقلة؟
أهؤلاء هم السياسيون الذي يرجو الناسُ منهم، اليوم وغدا، أن يدافعوا عن الديمقراطية الحقيقية ولوازمها الضرورية، وهم لا يملكون أن يقولوا ولو "لا" ذريّة (ميكروسكوبيّة) للنظام المخزني؟
وبعد كل هذا الانحطاط السياسي، والانبطاح الحزبي، والعبثِ في كل شيء، سنسمع من أحزابنا "العتيدة"، التي سيتم الرضا عنها لدخول جنّة الحكومة المخزنية المقدّسة، وفي مقدمتها حزبُ العدالة والتنمية، شعاراتِ محاربة الفساد والاستبداد، والتصدي للتخلف بكل أشكاله، وبناءِ دولة الحريات والحقوق والمؤسسات الديمقراطية، وغيرها من الشعارات الجوفاء، الصادرة عن مخلوقات مخزنية ماتتْ فيها إرادةُ الاعتراض والاحتجاج والرفض والانتقاد.
حزبُ العدالة والتنمية يرفع شعارَ محاربةِ الفساد والتحكم!!
إذن، أبْشرا بطول عمر، يا فساد، ويا تحكم.
قال جرير يهجو الفرزدق:
زعمَ الفرزدقُ أن سيقتُل مِربَعا//أبشرْ بطول سلامة يا مِربع.
وأختم ببيت من الأبيات السائرة لأبي الطيب المتنبي، وأراه يناسب سياق كتابة هذه المقالة؛ يقول البيت السائر:
مَنْ يهنْ يسهلِ الهوانُ عليه//ما لجرْحٍ بميّتٍ إيلامُ
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.